HISTOIRE CLEFS DU DESERT LA SUMARIA PREMIERE PARTIE قصة السومرية التي خلعت امبراطور اوروك الجزء الاول

Page

https://www.houssami.info/histoire-clefs-du-desert-la-sumaria/
مفاتيح الصحراء قصة سومرية

جرت احداث هذه القصة في بلاد الرافدين ويعود تاريخها الى الاف الثالثة قبل الميلاد وذلك بعد اكتشاف حجر غريب من الرقائم السومرية في احدى المقابر .

الفصل الأول  » سر الحجر الغريب

كانت الشمس لافحة في بلاد الرافدين حيث يركض طفلان يتبعهما كلبهما على ضفاف نهر الفرات وكانا في نزهة على دراجتين في طبيعة غارقة ببياض الافق والذي تراقصت فيه أشعة الشمس الحارقة .
لقد أدرك رونالد انهما قرب برج للتنقيب عن النفط قد نصب في وسط سهل لفحته اشعة وهاجة‘
ـــ « هاهو  » قالت نانسي .. كان عليك ان تقول لي ان المكان بعيد .. لقد لفحتني الشمس وهاهو كلبنا توبي يمد لسانه عطشا وقيظاَ.

ــ هل تريدين ان تقربي الدريك البرج ؟
ــ » نعم « اذن هيا بنا الى الامام و لنسّرع عجلات الدراجة .

ودخل الطفلان حقل التنقيب عن النفط ‘ في ارض العراق‘تحت أشعة الشمس اللاهبة من بعد ظهر ذلك اليوم . وما أن وصلا الى تجهيزة السلالم قاما بجولة لانهما يعلمان انه سيتم في الغد سبر اغوار البئر وتكييف كل الخبرات وسيخلى الحقل من العمال بعد ان اثبتت الاستطلاعات فشل العملية .تنهدت نانسي متعبة ..  » والدنا المسكين يتحدث عن رغبته للولوج داخل صحراء بادية الشام والبارحة بكيت لان والدنا يريد ان يتركنا في القرية ليأخذ فريقة العامل من المختصين بأعمال التنقيب في هذا الجو الحار .. هل تعتقد ذلك ؟
ــ  » نعم ولكن متى يعود ..؟  »
ــ  » كيف لي أن أعرف و نحن هنا قرب أكبر حقول النفط في العراق ..
ــ  » ألم نستطع اكتشاف نفط هنا ؟ »
ضرب الصبي بقدمه كومة من الحجارة المتراكمة قرب البرج .. وبدأ توبي بالنباح ظنا منه أنها مجرد لعبة مسلية وانحنى رونالد ليلتقط قرصا بين انقاض الحجارة ورمى به بعيدا وصاح  » احضره لي . » . هرع الكلب وعاد فرحا وقد وضعه امام أقدام صاحبه لم يرمه رونالد وأخذ يقلِب الحجر الصغير بين أصابعه ونادى شقيقه .

ــ نانسي ! تعالي وشاهدي ليست اسنان توبي التي تركت اثارها على هذا الحجر انها شبيهة برسوم اقدام العصافير واشكال قد رسمت على الحجر الغريب داخل جيبه .سنسأل والدنا عنه  » لنعد الى البيت سريعا . »
سلكا في طريق عودتهما درب النخيل وسارا بين أشجارة ‘ وأحيانا تصادفهما نسوة بعباءاتهن السوداء يحملن بكل رشاقة جرة على رؤوسهن .
ــ حان موعد عودة القطيع .. نظرت نانسي الى أخيها .
بالفعل تأخرنا قليلا ..
اشار الاب سولوفان باصبعه الى الساعة الجدارية ذات الرقاص ويبدو عليه الانزعاج ..
ــ  » اين كنتما ؟ لقد حان موعد العشاء وبعدها الى السرير فورا . »ولكي لا يسمعان المزيد من العتاب والتأنيب اثر الطفلان أن يخفيَا مشاهدات رحلتهما الغريبة .. ووضع رونالد الحجر الغريب في حقيبة صغيرة كان يحتفظ فيها بمجموعة من الطوابع و نساها ..

وبعد اسبوع .. أعلن سولوفان أن لديه الحاجه لتجديد بعض القطع من أدوات التنقيب وبالتالي سيذهبان جميعا في رحلة الى استنبول … مضيفا :
– بذلك سنجمع في رحلتنا العمل والمتعة في ان واحد  »
فرحت نانسي ورونالد لسماع الخبر وقضاء الاجازة غير متوقعة تقطع عليهما روتين الحياة الرتيبة . وقضى الاطفال ساعاتهم في استنبول يتنقلون بكل حرية لمشاهدة المدينة وأحياناَ يقومون بنزهات في الاحياء القديمة .. ولم يكتفييا بزيارة قصور السلاطين ورؤوية كنوزها التي تروي حكايات ألف ليلة وليلة بل قاموا بزيارة المتاحف والمراكز الثقافية .
وفي ذات يوم في متحف (توبكابي ) استوقفت رونالدوا واجهة زجاجية جمع فيها بعض الاثار فانحنى قليلا و وراء الزجاج شاهد العديد من الرقائق الحجرية الشبيهة بتلك التي شاهدوها بالعراق قرب برج النفط .. وأطلق رفرة مندهشا  » انها نفس اللوحة التي وجدتها وأنحنت نانسي بدورها . » انها شبيهة بها تماما  »
ـــ  » قل لي ربما تعرف ماهي بالضبط . »
وبحث رونالدو في قائمة القطع فقرأ : رقائق سومرية ــ ها نحن قد خطونا خطوة الى الامام لكن ذلك لا يفسر ما هو مكتوب على الحجر الذي عثرنا عليه .انها نفس الرقيقة لكن علام تدل هذه العلامات ؟ وكانا يظنان أنهما وحيدان في القاعه عندما فوجئا بشخص خلفهما يقاطعهما بلهجة أمريكيية حادة !

أنتما أمام سجل تلميذ سومري. على هذه الرقائق من الصلصال كان السومريون يكتبون عليها بقصبة مدببة منذ أربعة الاف عام و التفت الاطفال كان الرجل أشقر اللون ذو قامة رياضية وبادرهما بابتسامة . فقالت نانسي : هل تحسن قراءة ما كتب على هذه الحجارة ياسيدي  » انني مختص بالاثار السومرية بعبارة أخرى انني أقوم بدراسة التاريخ لتلك الشعوب القديمة والمعروفة في أيامنا ببلاد سومر . فأشار رونالدو باصبعه الى الواجهة الزجاجية . ـــ اذا ماهي هذه الرقائق ؟
ــ انها تروي حكاية تلميذ من أهل سومر ‘ حياته شبيهة جدا بتلكم لالاف الطلاب الذين يرتادون المدارس والقرى في الشرق في أيامنا. هنا على سبيل المثال يقولون : » لقد استذكرت رقيقتي وتناولت طعامي وأحضرت رقيقة جديدة ونقلتها كتابة وبعد أن انتهيت منها طلب مني أن أحفظ ما علي استظهاره . بعد الدرس عدت الى بيتي ووجدت والدي وتحدثت معه عن التمرين الكتابي واستظهرت درسي أمامه وقد أعجب والدي بعملي . » فركت ننانسي يديها فرحة ــ  » نعم ياسيدي نحن أيضا وجدنا رقيقة  » عندئذ بدا صوت عالم الاثار يرتجف  » أين ذلك ؟ » في بيتنا بالعراق بين أنقاض أحد حقول التنقيب عن النفط . هل احتفظتم بها ؟ فكر رونالدو لحظة ثم فرك يديه فرحا وقال :  » لقد فكرت بذلك مازالت في حقيبتي مع طوابعي وصوري . في استنبول؟ ــ نعم ياسيدي في الفندق الذي ننزل فيه ــ  » هل بامكانك أن تريني اياها ؟
ــ  » اذا رغبت بمرافقتنا ‘ يجب علينا أن نعود الى مراب غولهان  » لنلتقي أهلنا فهم بانتظارنا . سأتبعكما  » وقدم عالم الاثار نفسه للسيد سولوفان وزوجته : سيمون كي أمريكي من نيويورك ‘ وشرح سبب وجوده في استنبول . بعد ساعه أخذ يقلب بين يديه ذلك الحجر الغريب الذي التقط على ضفاف الفرات .
وبكل يسر بدأ يفكك طلاسم تلك الكتابات الغريبه ذات الاشكال المسمارية التي كان يستخدمها هؤلاء الناس في فجر التاريخ . والتفت نحو الطفلين الذين استرعى انتباهما وبكل شغف . الفضل يعود الى الصدفه في أغلب المكتشفات العظيمة والتي لم تكن تتم دونها وقد أتاحت الصدفة لي باكتشاف هذه الرقيقة التي تروي شهادة وبعد قرون : اخلاص رقيقة خادمة كانت تدعى- كينة -. ولكن لسوء الحظ لا يتوفر لدينا سوى قطعة صغيرة مجزأة من روايتها ‘ وعلينا أن نجدها بين الرمال في مكان برج التنقيب ولنكتشف اثارتلك المدينة التي كانت تعيش فيها .
صاحت نانسي وقد برقت عيناها  » انه امر رائع اذا تمت الامور جيدا فستأتي معنا ونتمكن من اكتشاف أشياء عجيبة ‘ تماثيل ذهبية وصناديق مليئة بالمجوهرات والاحجار الكريمة كما في اثار توتونج…. امون .. لا أعرف كيف يقولونها وهنا ضحك سيمون كي وصحح قائلا : توت عنخ امون ‘ لا تتسرعي كثيرا يا انستي ‘ انني أشك أن نعثر على تماثيل ذهبية لان بلاد سومر ليست مصر ‘ لكن أمرا موكدا أنني سأنضم اليكم في العراق في غضون أيام للقيام بدراسة ميدانية حيث ينصب برج تنقيب النفط . مد سولوفان يده لباحث الاثار مصافحا : ابقوا في القرية ‘ امل لدى عودتي الحصول على قطع رائعة تقدمها لنا .

الفصل الثاني : على أرض الطوفان

لدى عودتهما الى العراق توغل سليفان وأعضاء فريقه من المنقبين لمدة أسابيع في بادية الشام تاركين الاطفال والنساء في القرية ‘ لكي يجنبوهم مخاطر أعمال الورشات والترحال الدائم .
وكما وعد سيمون انضم الى فريق سليفان وبنظرته المتفحصة راقب مكان برج الدريك وقد بدا له ما يشبه التل وبعبارة أخرى : تلة ذروتها مسطحة تخفي تحتها بعض الاثارات تحت الرمال وقد ذرتها الرياح عبر العصور وقرر على الفور اجراء أبحاثه وتنقيباته ونصب خيمة قرب شجرة نخيل نظرا لبعد القرية عن حقل العمل . وكانت هناك راعية ترعى ماعزها . اما رونالدو ونانسي يدا يمطران- كي- بأسئلتهما المتواصلة ــ كيف شكل المدينة ؟ و مااسمها ؟ وشرح سيمون قائلا : ان المدينة مغمورة منذ الاف السنين تحت الانقاض ولا أحد يعرف اسمها ولا يوجد طريق يؤدي اليها ‘ ولكن يبدو أنها ترتفع في نا حية ما على شاطئ في الخليج الفارسي .

وصاح رونالدو من المستحيل ! ان أقرب ميناء هو البصرة يوجد على بعد مائتي كم من هنا وعلينا أن نقطع عشرة من الكيلوميترات لنصل الى مياه الخليج حيث يصب شط العرب فيه .ابتسم الامريكي  » لقد نسيت أن نهري الفرات ودجله قد حولا مجراهما ‘ ونقلا طميهما الى مناطق أبعد من ذلك . .. انظر حولك لا تجد حجرة في ذلك السهل الكبير ‘ حيث تجري مياه فيه .
لان الارض قد تكونت هنا من طبقات وضعتها مياه الطوفان ان وادي الرافدين كان منذ مدة طويلة مستنقعا واسعا مع جذر صغيرة متناثرة بنى عليها الانسان بيوته وقد غمرتها المياه … رفعت نانسي رأسها : اه اني أرى كان هناك فيضانات غزيرة …
– هنا بلد الطوفان يا صديقتي . فالطوفان الذي يتحدث عنه السومريون ويذكرونه في رقائقهم : يتحدثون عنه وكأنه الحدث الجلل .
ــ اه أنه حدث جلل . اه اني أرى أنه أمر عجيب : نعم انه حدث جلل … نعم ان ذلك العصر وقد لفه الظلام .. انها كارثة كبيرة قد حلت منذ خمسة الاف سنة تقريبا .. قد يبدو الامر بسيطا للجيولوجي الذي يفك رموز طبقات الارض عبر ملايين السنين .
ــ  » وكيف لنا أن نعرف فيمإذا حدث الطوفان هنا .. لقد غرق كثير من الناس هنا .. واستنادا الى سجلات السومريين نجت بعض المدن من الطوفان لان تلك الحقبة لم تكن سوى حقبة صغيرة في تاريخ الحضارة البشرية . وأين قصة نوح إذا ؟ كان اسم نوح لدى السومريين (أوتانابشتين ) . لقد قرأت رموزا على احدى الرقائق وجدتها في نينوى تروي ملحمة جلجامش . وكان جلجامش بطلا من وادي الرافدين . ويمكننا القول أنه أول رسول في القديم ذهب للقاء -أوتانابشتين -.. وعندما طعن به السن روى له قصة الطوفان .لقد روى- أوتانابشتين- ذكرياته لجلجامش ووجدنا ملاحظات ذلك الرسول : انها قصة الكارثة الكبرى كما تعرفيها : اذا انها البرهان بأنها حصلت بالفعل . لقد نقل أحد زملائي وهو عالم اثار شيئا عنها .. وأثبت البرهان وهو ينقب الارض كما يقشر البصلة . لقد توصل ذلك العالم لعمق اكثر من ثلاثين مترا لاكتشاف عدة مدن توضع بعضها فوق بعض على منصة من الصلصال بلغت سماكتها ثلاثة أمتار ولم تكن تحتوي على أي أثر من الاصداف المستحاثه أو قطع من الفخار أوأية طبقة من الطمي القاحلة ‘ لقد كان بالفعل فيضان كبير . وهل كان رأيك هو البرهان ؟ ــ انه على الاقل شهاده لفيضان هائل لاحد النهرين ‘ لقد ثبت بالتأكيد تتابع موجات عديده من الفيضانات في هذه المناطق ‘ لكن هذه الكارثة خلفت الكثير من الدمار هذه المرة تحدث عنها الناس خلال عصور فإن ارتفاع منسوب المياه كان مفاجئا وسريعا … وعندما تمت حفريات تحت طبقة الطمي القاحلة وجد عالم الاثار مدينة قديمة وأعلن أمام دهشته للملا ‘ بأن لديه البرهان لوجود الطوفان السومري والذي بني عليه قصة نوح . ــ وأين وجد اكتشافاته ؟
ــ على بعد كيلومترات من هنا . صفقت نانسي فرحة .. يبدو لنا أن نعيش قصة حقيقية .. قل لي بربك ! ماذا يمكن لنا أن نستخرج تحت تلك التله ؟ مدينة ؟ أم تماثيل ؟ … إنني أجهل ذلك وعليَ أن أنتظر الاختصاصيين الذين أخبرتهم وطلبت منهم احضار الادوات .. سأجمع الرجال في قريتكم لنستطيع تشغيل من هو عاطل عن العمل ــ إن أغلبهم يمتلكون معاول وبإمكانهم أن يحفروا فورا . ــ هل تعتقد أنه بإمكاننا أن نحفرفي أي مكان ؟ – لا تخدعي نفسك لقد شاءت الصدفة وخدمتنا لان نكتشف رقيقة في أنقاض ذلك البرج النفطي لكن ذلك لا يعني أننا وقعنا على مكان المدينة التي أتوقع اكتشافها .

يدفعني حدث للقول وأنني احترق لاتكلم مثلك لكنه يلزمنا كثير من الوقت والصبر لكشف طبقات الارض كما لو كنت تقلبين صفحات الكتاب . ولكي لا يفوتنا شيء هام علينا أن نعلم أهل المنطقة وهم عمالنا في المستقبل كيف يخرجون تمثالا وليس هذا بالامر السهل . وكثيرا ما أتلفت قطع هامة خلال عمليات الحفر نتيجة السرعة . فقالت نانسي : سأتي لمساعدتكم … تقول لي أمي لا أكسر شيئا بينما رونالدوا ……..!
وتقدم رونالدو وقد أخذته حمية الغيرة أمام سيمون قائلا : إذا كنت أنا فاشلا لست مثل هذه لا أخاف الحرارة ولا التعب وقد برهنت أني أرى الاشياء جيدا.
ضحك الامريكي وقال :  » حسنا ! سأشغلك مراقب للتنقيبات . » وفي عملية الاستخراج يجب أن لا نرمي شيء قبل تفحصه وذلك لاستخلاص كافة الخزفيات والادوات المرسومة أو المزينة والتي يجب أن تحفظ يدون استثناء . وبما انك تتكلم العربية ستكون عنصر ارتباط بين الورشات العاملة .
ارتاح رونالدو وقال :  » اني أعدك أن التنقيبات ستجري على منوال دقيق ومن ناحية ثانية لدي فكرة حول جمع الانقاض .
ــ إذا ما شغلنا أطفال القرية فهم أصدقائي ويعملون مثل الرجال ‘ عندئذ رتب سيمون على كتف رونالدو وقال :  » حسنا ! قدم لي فريقك  »
ــ  » بامكاننا أن نجدهم من الان وأغلبهم يعملون في الصيد على نهر الفرات .  »
ــ » هل تعلم أين بالضبط  »
ــ  » بكل تأكيد . »
ثلاث درجات يسرن على طريق شاطئية قرب شجيرات النخيل ‘ ويقطعن مساحات شكل فيها الاغصان قببا جميلة تقطعها السهام الذهبية . وكانت الطريق مليئة بالحمير الذين يعيقون حركة الدراجات ‘ وهؤلاء الاطفال الذين يقودون البهائم تبدو عليهم سمة من الجمال البهي َ‘ وبعيونهم السوداء ذات الرموش الكاحلة يضحكون ملء أفواههم وهم يراقبون رونالدو ونانسي ‘ ويبادروهما قائلين: » موعدنا عند النهر  » صاح الاطفال عند عبورهم الطريق . وقد سارع الصبية العراقيون حطى بهائمهم متباهين أنهم أبطال السباق عندما يبلغ الحمار سرعة الدراجات .

كان ذلك في غمار ذلك السباق للحيوانات والتي كانت تجري بشكل يفوق الوصف الى أن وصلوا نهر الفرات … وهناك وقف سيمون كي يتأمل النهر العظيم الخالد الذي كان ينساب موجه ببطء كتقدم العصور الاولى للآرض وترى أكواخ القصب التي كان يسكنها صيادوا البلده وهم منهمكين باصلاح أدواتهم البدائية أمام أبواب أكواخهم . وترى على مد النظر تشابك أغصان وأزهار السوسن وأشجار الجاكاران تنمو بشكل عشوائي وتختلط مع تلك النباتات المدارية لتعطي لونا محمرا فاقعا ‘ أقرب في شكله للعصافير من الازهار .
كان نهر الفرات واسعا جدا لدرجة أنه يصعب على الناظر رؤوية الضفة الاخرى في حر النهار ‘ وفي أرضه الواطئة تلوح شجيرات النخيل بفروعها الخضراء القريبة من الزرقة . وكان يعبر العديد من الناس حاملين سلالهم الدائرية والتي لا تنقلب أبدا رغم تمايلها فوق الماء وحمولتها الكبيرة من البطيخ الاحمر منه والاصفر ( وترى الكلك ) وهي عبارة عن قوارب من القش لا تنقصها القرب وكان يسيرها جدافون أشداء . وحدد سيمون كي مختلف مناطق المرسى لصغار سولفان . كان السومريون يسافرون على هذا المنوال .
ــ  » هل كانوا بعرفون القارب القشي ( الكوفي ) ؟
ــ  » بالطبع ينسب اختراعه له واليوم كما في الامس ‘ كانت تصنع هذه السلال من ورق النخيل المطلاة بلون براق تماما ‘ مثلما كانوا يفعلون من ثلاثة الاف عام . وخلفكم هناك القرية الموحلة الجافة والشبيهة بتلكم التي كانت توجد في عهد ملوك أور . وأشار الامريكي الى الصيادين الذين كانوا يجلسون القرفصاء في ثيابهم البالية ‘ ونسائهم ذات العيون الجميلة وهن ينظفن عتبات البيوت بسعف الشجر قائلا :  » على الرغم من اختلاط سكان البلدة مع الشعوب الاخرى لم يغيروا من عاداتهم . » والان لننتقل الى أشياء أهم .. عليك أن تعرفني على مجموعتك .. وكان لرونالدوطريقته بالتعريف بمجموعته من الصبية الضاحكين والمتسخين الذين اعتادواحيويته في المخاطبة :
ــ  » هاهم … على موعد مع الحظ وقد حضروا مع أخواتهم وأصدقائهم . أطلق سيمون صفرة لا تخلو من الاعجاب …. مرحى !! لقد أحضرتهم بسرعة .
ــ  » انهم يثقون بي .. انهم على موعد مع وجبة يومية وأجر ستحدده لهم إضافة الى إكرامية ‘ عندما يجدون شيئا نافعا .
ــ  » يبدو عليك خبرة مدير ورشة ‘ وبدا رونالدو متواضعا . »
إن عمليات حفر الارض من أجل إستخراج النفط أو من أجل البحث عن الاثار ‘ يلزمها نفس تقنيات الاستخدام .. وكنت أسمع والدي يقول ذلك عندما يوظف العمال من أجل عملية التنقيب . وهكذا إستطاع سيمون أن يبدأ عمله بعد أسبوع من وصوله و جمع خبرائه الذين وصلوا الى عين المكان . وانقسم العمال الى مجموعات يهتم كل واحد منهم في مربع من الارض وقد عين عليهم مراقب .. ..
وينتقل عالم الاثار بين مجموعة وأخرى بينما كان رونالدو يراقب مجموعة من خمسين طفلا عهد اليهم مهمة نقل الحجارة والانقاض وكان يتعين عليه مراقبة كيفية القاء الحجارة والانقاض بين الرمال بعناية شديدة . وكان رونالدو لا يفوته لا صغيرة ولا كبيرة ويأنب المقصرين .
سرت نانسي لمراقبة عمليات التنقيب وهي تنتظر بفارغ الصبر الوقت الذي يمكن أن تشارك فيه بهذه العملية ‘ كانت حاضرة عندما بدؤوا بحفر خندق واكتشاف أهالي البلدة ثلما قد ارتسم عليه اللون الابيض مع بقع تغوص في أعماق الارض وحيا المشرف منقب الاثار- سيمون كي – قائلا:
– تعال تعال بسرعة … هرع عالم الاثار اليه وأوصى بالحذر والصبر ..
ــ هيا .. وبهدوء .. عندما تسترعي الحاجة استخدموا سكاكين الحفر حتى لا تفسدوا شيئا .. واذا ما اكتشفنا أبسط الاشياء علينا تصويره وأن نضعه في مكان ونسجل عليه رقما أو كتابة … ــ « لماذا؟ »
ــ  » لانه إذا ما وجدنا على سبيل المثال عقدا فإن ترتيب حجارته يمكن إعادة تشكيله بسهولة إذا ما تم تسجيله دون أن نقع بأي خطأ  »
ــ » لقد فهمت ..  »
وبإدارة عالم الاثار عاد العمال الى عملهم .. وشيئا فشيئا بدا لهم نوعا من الابار المحفورة وبقاعها رصيف من الحجارة .
انه أمر غريب لا يوجد حجارة ولا حصوة واحدة في دلتا الفرات يجب الان احضار هذه الكتلة من مكان بعيد .
فكر عالم الاثار مليا وتوصل الى النتيجة التالية :  » انه يبدو قبر ملكي وكما كان يجري سابقا في مصر أو في العراق لم يقم اللصوص بنهب هذا المدفن . وبكل حيطة وحذر قام العمال برفع البلاطة وأزاحوها بواسطة رافعة عالية حيث كشف لهم التنقيب دهليزا يغوص في أعماق الارض ‘ حرارة تتصاعد من داخل التربة برائحة لا يمكن وصفها شبيهة الى حد ما برائحة القبور ‘ ونفحات العطور والبخور لتلك الايام الغابرة . وبعد أن أوصى سيمون كي الاطفال بعدم التحرك وضرورة البقاء في أماكنهم خوفا من الانهدام حمل مشعله وأشار الى أحد أعوانه من الاختصاصيين بمرافقته ‘ ونزل الرجلان في هوة عميقة ذات جدران وسقف بلون حليب الكلس فقد كشف لهم ضوء المشعل غرفة واسعة الابعاد قد تمدد فيها أجساد نساء على صفين يلبسن أطواقا وتيجانا ‘ وفي مكان أبعد اكتشف سيمون عربيتين حربيتين يقطع كل منها المزاييك الثميين وقربهما سائقيهما وقد شخصت ملامحهما كما لو أنهما يقودان العربتين نحو الخلود ..
وقد اصطف من كل جانب جنود يلبسون خوذا ويحملون رماحا ودروعا نحاسية .. وأمام دهشة وانفعال منقبي الاثار اجتازوا بابا منخفضا فوجدوا أنفسهم في حجرة ثانيه ‘ اصطف فيها عشرة نساء يلبسن بشكل غريب ويضعن شعرا مستعارا ويحملن أزهارا وأوراقا وسعفا .. وقد زين الجيد بعقود ‘ وقد التففن حول فتاة بدا عليها أنها عازفة موسيقى حيث وضع أمام جسمها قيثار (؟) كبيرا وقد علا رأسها تاج صغير زين برأس ثور من الذهب .. بعيون ولحية وقرنين . وفي أسفل الجدار الذي كانت ترقد فيه عازفة القيثار .. كانت هناك مزهرية ضخمة بطنها بشكل ثور .. لقد عرف سيمون كي هذه المزهرية التي تشبه الى حد ما تلكم التي كان يستخدمها الملوك لاخفاء ممتلكات السرية وأدخل يده في تلك الخابية العميقة … ولم يخنه حدسه عندما أخرج منها عدة اسطوانات من الصلصال ..ز وبنظرة بسيطة عرف فيها الكتابة السومرية القديمة والتي تعود الى أربعة الاف عام …

تتحدث القصة عن ملوك أور ‘ وأشار عالم الاثار الى رفيقه لمساعدته بنقل تلك المكتبة الغريبة ‘ طالبا وضع كنوز القبر تحت الحراسة .. وكانت الشمس عند المغيب عندما برزراسيهما من اعلى السرداب ‘ حيث كان رونالدو ونانسي في انتظارهما …
انطلق الولدان مسرعين ما ذا حصل ؟ ما الخبر ؟ . كان وجه سيمون شاحبا بعد اكتشافه العجيب … هز برأسه قبل أن يجيب …
يلزمنا الوقت لفك ألغاز تلك الرقائق التي احتواها هذا المدفن … دعوني أعمل لوحدي من فضلكم .

أمضى عالم الاثار ليلته دون ان يطبق له جفن … وما أن بدا بحل طلاسم تلكم الاسطوانات الصلصالية كانت يده تغطي ورقة قد سجل فيها ملاحظاته لينقلها بالتالي الى لغة بسيطة لاصدقائه الشباب . قصة ومغامرة نينا ونام …

وبعد أيام استحضر الاطفال تحت خيمته وروى لهم هذه القصة التي يعود تاريخها الى أربعة الاف عام وقرأها لهم …
*****************************************

يتبع في الجزء الثاني قصة السومرية