Poème Salaheddin – وقصديته عن صلاح الدين امام اسوار عكا

Par défaut

 

ناشر الموضوع : محمد كمال

من العبر في تاريخنا وقفة لصَلاح الدّين الأيوبي‏ أمَام عكّا‏ – نذير الحسامي

أوقف صلاح الدين ممتطياً صهوة فرسه في مساء من ليالي تموز من العام 1191 على تلة تشرف من بعد على (عكا) بعد سقوطها بيد الفرنجة الصليبيين وهو يرسل أنفاسه الحارة مع نظراته الحزينة إلى ما وراء الأسوار التي استعصت سنتين على الغزاة الذين تكاثرت عليها جحافلهم بعددهم وعددهم من البر والبحر. وأخذ صلاح الدين في سبحات حزنه يستعرض ما عومل به أهل عكا الأبطال وهم أسرى ويقارن خسة المعاملة بما عامل به الفرنجة في بيت المقدس يوم فتحه.. ثم ضرب بيده على سيفه متوعداً الغزاة الذين نقضوا عهود صلاح الدين وغدروا بالمواثيق بالارتداد عليهم في معركة قادمة من معارك جهاده.‏

وقبل أن يلوي صلاحا لدين عنان فرسه ليضرب في الصحراء متوغلاً في الظلام، جعل يخاطب في صلاة المؤمن وإجلاله المدينة الباسلة الأسيرة التي يطيف بها حزن جللته كبرياء الإباء بهذه الزفرات:‏

سلاماً لبنت الإباء‏

سلاماً لأخت الفداء‏

لنازفة الجرح تأبى البكاء‏

وترفض في الذل أن تهلكا‏

وتكبر، في العار أن تُهتكا‏

جلاها الشمم‏

فلم تُقتحم‏

لها خيلاء ولا كبرياء‏

ولم تتعصب بغير الدماء‏

***‏

سلاماً لأرض الكفاح‏

سلاماً لأرض الجراح‏

سلاماً لأم الجراح‏

وألف سلام لكل حجر‏

بصدرك (عكا) تلقى الشرر‏

فعاد شواظاً على من غدر‏

من العابثين‏

بقدس العرين‏

أغاروا عليك بكل سلاح‏

وطاروا إليك بألف جناح!‏

***‏

سلاماً لذات الخمار‏

تذود وتحمي الذمار‏

سلام الحزين لحزنك عكا‏

لبستِ الليالي جهاداً وضنكا‏

وما كنت إلا لأهلك مِلكا‏

فكيف حزنتِ؟‏

أفي الأسر هنتِ؟‏

ألست العلية بين الديار؟‏

أيا قلعةً للعلا والفخار‏

***‏

بعشقك سيفي هزج‏

وفيك فؤادي اختلج‏

ولستِ بحبك لي مشركه‏

فهذا حسامك من أنهكه؟‏

ألستِ العصية في المعركة؟؟‏

طلبتِ المنيه‏

وعفت الدنيه‏

أما من لظاك تعالى الوهج؟‏

ودون مداك استطار الرهج؟‏

***‏

أيُسمع مني النداء؟‏

أيحمل رجعي المساء؟‏

وهذا على مقلتيّ الغسق‏

يمد الشباك لبنت الأرق‏

عليها من الجرح وقد الشفق‏

ترش الغبار‏

بدمع النهار‏

وتلثم من دمها ما أضاء‏

دروب الوغى ودروس المضاء‏

***‏

أيا لبوة لا تهون‏

وإن طوقتها المنون‏

أيغزوك تحت الدجى كل ذيب؟!‏

تناهى إليك بصبح مريب‏

يبرقع مخلبه بالصليب؟!(1)‏

تسلل غدراً‏

لينشب ظفراً‏

بذات الدواهي على الغاصبين(2)‏

تلاطم دون شموخ الجبين‏

***‏

بنفسي أم الشبول‏

تشد عليها الكبول‏

تنادت بكل نقيع وناب‏

إليها العدا من وراء العباب!‏

أتطمع باللبوات الذئاب؟!‏

وتُرمى الأبيه‏

بكل أذيه؟‏

وتجمح بالعنفوان الخيول‏

وتحلف أن تسترد الطلول‏

***‏

ويرجف سيف الغزاة‏

لزأرة ليث الفلاة‏

ترددها في الحزون الحجاره‏

فتصدع كبد الدجى كالمناره‏

وتصعق قلب العدا بالشراره‏

وتوجس رعباً‏

وتسودّ كتباً‏

بيارق زغرد فيها البغاة‏

أغاروا بهن على الحرمات!‏

***‏

وحطوا كمثل الجراد‏

ولم يحملوا أي زاد!‏

أساراهم أوردوها الشفار(3)‏

فيا ويحهم هل شفوا كل ثار؟!‏

يذل الحديد إذا هو جار‏

ويكسى الهوان‏

بكف الجبان‏

فيا لصغار السيوف الحداد‏

تعز الأذلين من كل واد!‏

***‏

أبى اللؤم ألاّ يعود‏

فخاسوا بكل العهود‏

نسوا في ربا القدس أنا الغيارى‏

عففنا فلم نستبحهم أسارى(4)‏

ولم نرم عرضاً لدينا مجارا‏

وحزّوا الجدائل(5)‏

وراء السلاسل!‏

فلا تهنى يا ابنتي في القيود‏

غداً بحسامي إليك أعود‏

***‏

حنانيك لا تصمتي‏

سألت الهوى يا ابنتي‏

أنابك مني بعض الجفاء؟‏

أظنك أني عصيت الوفاء؟‏

فلم أدرك المعتدي حين جاء؟(6)‏

يُلام الغضنفر‏

إذا الوثب قصَّر؟‏

فلا وأبيكِ وروحي التي‏

تزمجر ما خنتُ أمنيتي‏

***‏

سلي الليل عني‏

سلي كل دجن‏

أخاب صليلي؟ أغاب صهيلي؟‏

أكان لغير الجهاد سبيلي؟‏

وكان سوى جرح قومي دليلي؟‏

أعاف الحياة‏

بلا مكرمات‏

نأيت ولم أنس قربك مني‏

وخضت المنايا وأنت بعيني‏

***‏

سلي كل جرح‏

ينز بجنحي‏

أذقت وذاق بليلي الرقاد؟‏

أبيت أعانق طيف الجهاد‏

يؤذّن سيفي فيصحو الفؤاد‏

وألقى مرادي‏

بضرب الأعادي‏

وأمسي على الصهوات وأضحي‏

وأطلع من غيهبي ألف صبح‏

***‏

سلي كل نجم‏

أنهنه عزمي‏

مرور الفصول، وكرّ الضنى؟!‏

ألم يعرف المعتدي من أنا؟‏

أنا ابن حمى لم يهن موطنا‏

أنا ابن الفتوّه‏

وترب المروّه‏

جلاني أبي وسقتني أمي‏

فكنت الإباء عقيدة قومي‏

***‏

رويداً فإن الغُدُوّ!‏

لآتٍ يلف العدوا‏

يقولون: هل يظفر الظافر؟!‏

ويهمس للخائر الخائر‏

يؤرقنا (الملك الناصر)(7)‏

يصيب بسهمه‏

ويبري بحلمه‏

وما زلت أعلو بسيفي علوّاً‏

فصبراً وإن لم تطيقي السلوّا‏

***‏

ويا ليل ضُمّ اليتيم‏

بقلب الصحارى يهيم‏

على منكبيه هموم الظفر‏

وفي مقلتيه عناد القدر‏

وفي مسمعيه نداء السور‏

ليمضي مضيَّاً‏

فتىً عربياً‏

يؤذن بالحق في (أورشليم)(8)‏

ويجلو بقية ليل بهيم‏

***‏

ومالي أرى في الخيال‏

وألمح خلف الرمال‏

دبيب الفرنجة فوق الكثيب!‏

وفي الشاطئ العربي الكئيب!‏

تُسنّ ظباهم بألف صليب!!(9)‏

ويشدو الطغاة‏

بألف صلاة!!‏

فيا غدوات الفلا والظلال‏

خذي الحذر مما يجنّ السؤال‏

وصوغي رؤاك نشيد نضال..‏

الحواشي‏

(1)إشارة إلى ما هو معروف من أن غزوات الفرنجة الصليبيين كانت تخفي وراء شعاراتها الدينية أغراضاً توسعية استعمارية لا تمت إلى الصليب بسبب.‏

(2)إشارة إلى استعصاء عكا على الفاتحين..‏

(3)يذكر التاريخ أن ريتشارد ملك الإنكليز في الغزوة الصليبية الثالثة ذبح بعد الاستيلاء على عكا الباسلة التي دام حصارها سنتين /2700/ أسير دون أن يخالجه شعور إنساني.‏

(4)سمح السلطان صلاح الدين للفرنجة بالرحيل عن بيت المقدس بعد تحريره، ويذكر التاريخ أنه كان يوزع المال والدواب على المرضى والمسنين منهم وشمل بعطفه النساء والأطفال والضَّعَفَة. وقد شهد المؤرخون الغربيون بمواقف الشهامة والنبل التي وقفها من الغزاة الذين عاملوه بالنقيض.‏

(5)إشارة إلى قتلهم النساء.‏

(6)زحف صلاح الدين بجنود لإنقاذ عكا من عساكر الفرنجة فوجد أنهم سبقوه إليها واحتلوا الأماكن المناسبة وقد استطاعوا بذلك بعدما قويت شوكتهم في مدينة صور وكان السلطان لم يأبه كثيراً لذلك. وقد انهالت الإمدادات من البر والبحر على الفرنجة وأرسل هو في طلب الإمدادات وقد ألح عليه المرض وأقبل الشتاء..‏

(7)اللقب الذي خلعه الخليفة الفاطمي على صلاح الدين.‏

(8)القدس.‏

(9)لعل السلطان صلاح الدين كان في سبحان خياله يهجس باحتمال غزو فرنجي جديد في زمن قادم لفلسطين والمنطقة تحت شتى الذرائع والأكاذيب فهل تحققت نبوءته في الغزوات الاستعمارية التالية وخصوصاً الغزوة الصهيونية الإمبريالية الأخيرة لفلسطين وامتدادها إلى ما يجاورها من البلاد العربية وما الغزوة الصهيونية على بيروت وما اقترفته من مجازر ببعيدة عنا. فهل نعي ما حذر منه صلاح الدين؟‏

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد التاسع – السنة الثالثة –المحرم 1403 تشرين 1 – أكتوبر 1982