QUATRIEME PARTIE HISTOIRE DE NANE LA SUMERIENNE تابع الجزء الرابع من رواية السومرية التي اطاحت بعرش اورورك

Par défaut

QUATRIEME PARTIE HISTOIRE DE NANE LA SUMERIENNE تابع الجزء الرابع من رواية السومرية التي اطاحت بعرش اورورك

الجزء الرابع من رواية السومرية التي اطاحت بعرش اورورك

قصة فتاة من بلاد البحر في سومر القديمة استطاعت بفضل جمالها وحسن صوتها ان تصل الى متبة الاميرات ما هي علاقتها ب امبراطور اوروك الطاغية قصة مثيرة تستحق ان تعرض مسلسل تلفزيوني امتظر عروض لكتابة السناريو
ا الفصل السادس

توقف باحث الآثار مرة أخرى عن سرد قصته لرونالدو و نانسي :

كان الرق أحد ميزات الحضارة السومرية لان الحياة العامة بحاجة لسواعد مئات الآلاف من الرقيق لحفر الاساسات في الطرقات وشق الترع وإصلاح المجاري لتسهيل عملية الصرف وهكذا بسواعد هؤلاء الرقيق تحول وادي الرافدين الى جنات عديدة تعجب الناظرين من كافة الشعوب وكان محط أطماع القبائل الرحل .
وغالبا ما يقوم البناؤون بإعلاء السدود في صحراء يدخلون الماء فيها والخصب ويعمل الرقيق تحت سوط المشرفين في شروط لا تصدق تحت أشعة الشمس الساطعة أو في المستنقعات التي يصب فيها ماء النهر وأغلب هؤلاء الرقيق كانوا من أسرى الحروب لان الحروب كانت تنشب باسم الآلهة وكان هدفها الاول الحصول على الايدي العاملة والانعام التي يكسبوها خلال الحروب … وغالبا عندما يعود أمير من تلك الحملات العسكرية يجلب معه أسيرا أعجب به طويل القامة او مفتول الزراعين ، سرعان ما يقدمه هبة للمعبد … وينظم حياة هؤلاء خدام المعابد أنظمة وقوانين خاصة لا تنطبق على حياة الرقيق العادين الذين يعيشون على أمل أن يجدوا الانعتاق من الرق أما خادم المعبد فلا يحلم بذلك ، حيث لا يكلف بأعمال السخرة ويحظى أولادة بالرعاية والتربية . لقد أصبح من ممتلكات المعبد الإلهي . وتابع سيمون كي روايته وهويمسك بسجلة
قائلا :

كانت سأرا تلك الأَمة العجوز في معبد أنكي تنتمي في أصولها الى فئة الاسرى قادمة من بلاد اكاد في العهد البعيد عندما قهر السومريون تلك البلاد وفتحوها ، وكانت تفتخر أن في عروقها تجري دماء (ساراكون ) *وكانت تتذكر أن أباها وجدها يقدمان القرابين والاضاحي لعشتار ..
كانت سأرا لها أولاد كثيرون لم تلق منهم الحظ الكافي … وكان منهم طفلة اسمها (نادابا ) دفعت بها سارا لتصبح من محظيات معبد إنكي نظرا للاعتبارات التي تتمتع بها ، ونجحت سارا لتغدو سيدة الحفلات في المعبد لكن ابنتها – نادابا- كانت خاملة وبدينة ولم تكن موهوبة للرقص ومثل أمها كانت قانطة إذ قررت أن تجرب حظها في الغناء لتصبح يوما من محظيات إنكي وهكذا رافقت سارا تلميذتها نينا الى جناح العازفات على هذا المزاج المعكر ..وسبقتها عازفة القيثارة لتخبر رفيقاتها عن التلميذة الجديدة .
ـــ لقد وصلتنا مغنية جديدة اسمها نينا لها صوت ساحر لا يصدق ،
– لم يخطئ ملكنا أن اختارها لتصبح أول مغنية منفردة إذا ما إجتازت كافة الامتحانات بنجاح . وإذا ما لا حظتم أن ابنتها نادابا كانت فتاة طيبة لكن لم يوافيها الحظ لتصبح مغنية على انفراد وشبيه صوتها بصوت القلق .نادابه فتاة طيبة و كان قيثار سأرا لا يزعجها بسلمه الموسيقي حيث كان يتعين عليها أن تعيد توزيع مقطوعتها عدة مرات .. وكانت تتناول البيض النيئ محاولة منها لتجميل صوتها .اسكتي هاهي سأرا !! القت سارا نظرة مريبة على جوقة الفتيات العازفات اللواتي سكتن فجأة مما أثار حفيظتها وأشار الى عازفتين الاكبر سنا بين المجموعة :ــ أنت إيريس وأنت أرأكسي ستهتمان بنينا الجديدة ويجب أن تبدؤوا التدريب بعد ساعة وعليكن أن تجدن لها فستانا وشعرا مستعارا ، أما بخصوص التدريب أين ابنتي- نادابا- فأجابت الجوقة بصوت متهكم : ـــ إنها تلتهم البيض حتى تستطيع الغناء .لقد بلغت الآن بيضتها السابعة .
واختفت سارا منزعجة وهي تبحث عن ابنتها بينما هن في الجوقة انفجرن ضاحكا َت.
ــ لا كان بالاحرى أن نقول بيض النعامة . .
وأحاط الطلاب بكل لطف بنينا وبدأن ينهلن عليها بالاسئلة
ــ من أين أنت قادمة ؟
-من علمك الغناء ؟
-ماعمرك ؟
-هل تفضلين الغناء أم الرقص ؟
-ماذا تريدين ان تختاري القيثار أم الرباب ؟
– يداك جميلتان
ــ الاحسن لك أن تتعلمي القيثار …
– لا .. لا.. الرباب !
ــ ستكونين معي وهكذا دواليك … وضعت أركسي حدا لهذه الاسئلة قائلة دعوها تتنفس —ساعدوني أن اجد لها ثوبا يناسبها لان سأرا ستاتي بعد قليل .
وقد أتى تنبيه أركسي أثره على الفور عندما اتجهت الفتيات وبسرعة نحو خزانة الثياب . ضعي هذه البيروكة يا نينا .. خذي هذا الفستان لا .. لا إنه طويل جدا جربي هذا ــ لا .. لا هذا أحسن هذا جديد وتدخلت مرة أخرى أركسي أنتهوا من هذا القيل والقال لقد احتارت الفتاة يمنة ويسرة سنقوم أنا وإيريس بتلبيسها وتجميلها بهدوء بمساعدة عبيد الخدمة .. وبعد ساعة لم يعد يعرف تلك الفتاة القروية القادمة من بلاد البحر في هيئتها الجديدة تلميذة الموسيقا الناشئة وبدت نينا في بشرة ناعمة زهرية وعيونها الناعسة تبرق فوق فم صغير قرمزي اللون . ووضعت شعرا مستعارا ربطته بشريطة من فضة وحملت أقراطا ثقيلة على شكل هلال قمري ولبست عقودها المرصعة وقد تدلت فوق ثوبها الجميل .. لان لباس الموسيقيات اللواتي وهبن أنفسهن لخدمة الإله كانت لا تقل أناقة وجمال عن ثياب سيدات القصر .. وهكذا ، تحركت الفتيات بعد أن اتخذن زينتهن تحت الحرارة القاتلة تحركن وبشكل منسجم
وقد رفعن رؤوسهن التي علاها الشعر المستعار لهذه المناسبة ودامت جلسات التدريب ساعات وفي كل مرة عليهن إعادة الخطوات في كل نشيد يطلب فيه المدربون إعادة الوصلات .
بعد ذلك بدأت دروس الموسيقا حيث يتعلمن العزف على اوتار القيثار أو الرباب ويضعن أصابعهن على ثقوب القيثارة حسب أداء الآلة المطلوبة . وكانت نينا تعزف القيثار بينما كان أربع فتيات من جوقتها يعزفن على ربابات ذات إيقاعات مختلفة .. زينت الربابة الاولى برأس ثور وكانت تؤدي الطبقة السفلى من السلم الموسيقي وأما الثانية فقد زينها رأس بقرة والثالثة رأس وعل وهكذا … وكانت تلك الالحان تذكر بحركة الرياح والبحر … وعمليات التدريب تختلط فيها تلك الالحان المتمازجة والمتباعدة أحيانا لتشكل نشيدا جماعيا يهدى للإله إنكي ، ويلزم ذلك أشهر ،وكثير من العناء للوصول الى أول المعاير المطلوبة في الاداء الموسيقي .لقد نجحت نينا وبمفردها منذ السنة الثانية بإجتياز الامتحانات في الغناء والعزف .. وقد كافأها إميركار بثلاثة قلائد من أوراق الذهب وأغدق عليها من الحلي والملابس التي كانت تحظى بها أميرات المملكة . وبعد أن أعلنوا
نسبة الى ساراغون ملك أكاد*

أنها ستعين في الاسبوع اللاحق محظية الإله إنكي وذلك خلال حفل سيقام على شرف إلهه المدينة .

********************************************

الفصل السابع

في كل عام كانت طلائع الربيع مناسبة لتقام في مدينة إيريدوا الحفلات يدعى إليها في وادي الرافدين الامراء و كان لكبار الألهة معابدها في المدينة وهذا تقليد قديم في بلاد سومر ..

وقد قيل أن إيريدوا كانت أول مدينة قد اتخذت من عنصر المياه وإله الماء قبلة ًلها ، وكانت أول قبلة استقبلت الاجانب من أنصاف الألهة وأنصاف البشر .. يأتون من أعماق المياه ليتعلموا فن البناء وجمع القصبات لبناء المساكن والمراكب ويخلطون الطين الطري لصناعة الفخار والآجر وأخيرا ليتعلموا شق الاقنية والأنهار لسقاية الحقول ، وكان –إيرودوا- قد تشكلت قبل الطوفان وهذا القدم في التاريخ جعل منها مدينة مقدسة .
وفي السادس عشر من شهر اذار أول أيام الربيع والسنة الجديدة يجتمع الامراء في إيرودوا لتقديم القرابين للالهة وشكرها . وكانوا يأتون المدينة من كل فج عميق يركبون عرباتهم الخشبية ذات العجلات الملونة بالالوان الخلابة . تجرها أربعة خيول زينت من أطرافها الأربعة بحبوب الزمرد اللازوردية التي شكت في حلقات فضية . يحيط بكل عربة جنديان يحملان أسلحتهما يتقدم الامراء الموكب المهيب ويلبسون ثيابهم الفخمة ، وقد زينت أصابعهم بأجمل الخواتم الثقيلة وقد نصلت سيوفهم اللامعة ، يخترق الموكب المدينة من جزئها الواطىء الى ذلك العالي ويتدافع المواطنون لرؤويتهم وهم يصيحون ويهللون ويحمدون إلههم إنكي . لقد تاه ننكي وأنا ونام بين هذا الجموع ولم يكونوا اخر من تالت اصواتهم فرحا بهذه الاصوات ويتجمع الامراء في أسفل السلم العالي الذي يشرف على المدينة من كتلته الجبلية العالية وهناك ينتظرون قدوم ملك أوروك الذي كان يتقدم ذلك الموكب .

ساعات من الانتظار وتحت الشمس اللاهبة وقد غطت خذواتهم الغبار ليسمعوا هدير عربة وصياح جمهور يتراكض لرؤوية ملك الملوك ، لقد اقتربت عربة الملك الذي حضر ، وكان ملك أوروك ذو الانف الشامخ والشفتان الرقيقتان يلبس بكل بساطة لباس المقاتلين أو المحاربين وكانت خذوته من الذهب الخالص ويكشف ثوبه عن كتف عضلي قد نسج من خيوط الذهب ، ويحمل كتلة ذات نصل يستخدمها كصولجان … وكان يحمل عصا من العاج تزينها حجرة من الزمرد .. وكان الملك أوتوهيكال قد نصب نفسه ملكا منذ سبعة سنين وبعد أن قتل بيديه تيريغان ملك غوتيس الذي كان يحكم في ذلك الحين وقضى عليه في خنقه برماد بعد أن ربطه بالحبال وبعد أن علا العرش دانت له الامراء بالطاعة والولاء وأصبحوا يرتجفون بحضورة ، وكان يطلب من كل حاكم أن يرسل له ولده الكبير الى مملكته إشارة للطاعة والولاء … ويعيش هؤلاء الأمراء في بلاطه ويلحقهم في خدمته كالتابعين . وكانوا يعلمون أن الحاكم الطاغي لا يتردد بقتلهم إذا ما وقفوا أمام طموحاته أو عارضوه .

وهبط ملك أوروك من عربته المزينة بالموزاييك والأسود الذهبية واستعرض الحرس الذي كان يلبس خذوات نحاسية وبعد أن رافقوه أشار إليهم أن يتبعوه … ولم يكتف أوتوهيكال بخادمين مرافقين مثل أي أمير إذ كان يصحبه جنوده المدججين بالسلاح والدروع وهكذا وصل الملك الى بوابة المدينة التي تصل بالحقول وكان الشعب يهمس لدى عبور موكب الملك قائلين : لماذا ؟ .. لم كل هذا ؟ هل يحتاج أوتوهيكال ليحضر احتفالات الربيع الى كل هذا الحشد من الجنود .
وما أن وصل جبل الزغورات أومأ بحركة الى أتباعه الذين انحنوا لتحيته .. وأشار لهم وقد صعٌر خده أمام الدرجين اللذين يوصلان الى الدرج الرئيسي حيث كان يرتفع الى البرج وقد بدا كالإله . وكان جودي ينتظره في ساحة المعبد وفي أسفل مذبح المعبد الذي كانت تنحر فيه القرابين للإله إنكي . وكانت مدينة إيرودوا في ذلك العصر مستقلة وهي إحدى المدن الفريدة التي نجت من مطامع أوتوهيكال لأنها كانت مدينة مقدسة ، فهي مكان إجتماع الألهة وهي لا تحاصر ولا تقهر … أشار جودي بحركة نبيلة الى مقعد الملك وجلس قربه . قطب الملك حاجبيه ولم يعجبه أن يجلس قرب ملك أورودوا وهو ملك المناطق الأربعة .. وبصوت جلل طلب وسادة ثم اخرى . وأخيرا ما أن استقر في مقعده أمر ببدء الاحتفال .
خرجت الراقصات المغنيات من المعبد يتمايلن على أنغام الموسيقا الدينية وكن في غاية الجمال بعيونهم الحور وأذرعتهن الجميلة التي ارتفعت فوق رؤوسهن متمايلة . ترأس الموكب سأرا سيدة الرقص وهي تنظر اليهن نظرة ثعبان يريد أن يبتلع عصفورا .. بعد ذلك تقدم الموسيقيون والعازفون وبدؤوا ينشرون ألحانهم الشبيهة بطنين الحشرات المجنحة ، ويحملون أجهزتهم من القيثار والرباب والناي .. في هذا الموكب ظهرت نينا وكانت تلبس ثوب أميرة وقد ارتفعت تسريحة شعرها المزينة بأوراق الذهب وحلقات الاحجار من كافة الالوان وقد شدته بمشط انتهى بباقة صغيرة من الزهور يرصعه في الوسط احجار كريمة ، وقد تدلى من جيدها عقود جميلة بلغت نطاقها ، وكانت أقراطها المتدلية تضيف بريقا على وجنتيها حملت نينا بين يديها قيثارها ذي الاوتار السته وهو يلمع جميلا وجديدا .

لقد تجسد الجمال والسحر بهذه الحسناء ذات العيون الواسعة والرموش التي لا مثيل لها والنظرة الناعسة وعندما شاهد الملك أوتوهيكال نينا أخذته الدهشة وسحرته نظراتها … بعدئذ شرعت نينا بالغناء وصدح صوتها عاليا في أغنية تروي فيها قنوط الرجال الذين ينتظرون قدوم الربيع بفارغ الصبر ..
على طريق الملاحة البحرية …
لا تنبت إلا الاعشاب الضارة …
وفي السهول التي تذخر بالنباتات . .. والتي تخفف من عضة الجوع
لم تعد .. تبعث فيها إلا تلك الناي الحزين …

فالتفت الملك أوتوهيكال نحو جودي قائلا : ــ هبني هذه الأمة ! لمعبد في أوروك .
ــ مستحيل ياسيدي ! لقد نصبت نينا لتعيش لعبادة الأله إنكي .. عندئذ ،
لمع وميض بين عيني الحاكم المستبد ــ انو … إله أوروك كبير الآلهة وإلهك إنكي ليس أمامه إلا السمع والطاعة ..
ــ لقد ولدت نينا حرة ياسيدي وليست عبدة ــ هل ترفض طلبي !
ــ يستحيل ذلك يامولانا ، لا أحد يرفض أوامر الملك لكنني أكررها مرة أخرى فوالد المغنية رجل حر وقد اتى بطواعيته ليعيش حرا بيننا في مدينة إيرودو الحرة … فليس بوسعي ياسيدي أن أهب أو أبيع ابنته ..
عندئذ ، ضرب الملك بصولجانه المثقل الكبير راس جودي وقد مسه جنون الغضب من شدة الضربة وقع حاكم أورودو على الارض وكنت القاضية . وعلى الفور تقدم رجل طاعن في السن يدعى غوديا ، كان حاكما في منطقة لا غاش وهي تابعة للملك أوتوهيكال ليهدأ من روع الملك الغاضب … لا تهن مدينة السلام ياسيدي ! وانقذ بسرعة كبير كهنتها ، وبحركة خسيسة اقترب ملك المناطق الاربعة من جثمان جودي ورفسه بازدراء بقدمه العارية …
ــ لقد فات الأوان . .. ها أنا الآن ملك أورودوا وعليكم السمع والطاعة .
بعد هذا الصمت المريع علت ضجة وصخب في المدينة … تدافع فيها الكهنة والموسيقيون والراقصات كل منهم باتجاه أعمدة معبد الزغورات وهم يصيحون بأعلى صوتهم ويستغيثون .
كما تعالت أصوات من المدينة الواطئة واختلط الحابل بالنابل … وبدأ رجال ملك أوروك وحاشيته بنهب المدينة المقدسة .
وأمام هذا المشهد المريع طأطأ الاتباع رؤوسهم ولا حول ولا قوة أمام جنود الملك المدججين بالأسلحة وشاهدوا فصول المؤامرة يدفعهم القلق لمصير اولادهم الذين يعيشون كرهائن في قصر أوروك … وتابع الملك أوتوهيكال المشهد بنظراته الخبيثة ملامح تلك الوجوه التي ارتسم عليها الخوف والذعر ، وقال بصوت ضاحك ــ لقد انتهى الحفل بامكانكم الانصراف .. وأنصحكم أن تتبعوا المصعد الداخلي لأن جنودي لديهم الاوامر بإخلاء المكان ، وعندما إنصرف اخر الأمراء فرك الطاغي يديه فرحا فقال : احضروا لي المغنية !!
وكانت الساحة قد خلت من الناس وطفق جنود الملك يبحثون عن نينا التي توارت عن الانظار .

*********************************

الفصل الثامن

اختفت نينا واصطحبها رئيس الموظفين إمير كار واخفاها وراء باب يوصل الى محراب معبد –إنكي- وهو مكان سري مقدس ومزين بقرون برونزية . وكان يعلم إميركار أن هذا المكان ملاذ للمؤمنين وملجأ لا يمكن لأ حد أن يخرق حرمته .

وخلف الباب الثقيل الذي أغلق باحكام جلست الطفلة ورئيس الموظفين وهما يلهثان ويسمعان ضجيجا و و قع أقدام خارج المعبد لم يكن مقدر أن يكتشف أحد مخدعهما أو أن يجرؤ على إكتشافه أما أوتوهيكال- وقد تملكه القنوط أمام هذا العائق الذي انتصب أمامه بدأ يصيح ويشتم : اجدوا لي المغنية .. يا أولاد الكلاب .. سأدفنكم جميعا في الرماد ..
واتجه جنوده في كل مكان ليبحثوا في زوايا المعبد وفي معابد إيريدوا العشرين في الشوارع والبيوت والمشاغل والحدائق ومر وقت ولم يكن أحد يجرؤليخبر ملك أوروك نتيجة بحثهم الذي لم يفض الى شيء . أما الطاغية فقد تملكته موجة الغضب والاضطراب فدخل طائشا الى البهو الكبير وهناك لا حظ أن ظلا في ظل جدار حينما بدت له –سأرا- وقد خرت راكعة عند عبوره .. وأشارت بإصبعها الى مخدع نينا . نادى الملك حراسه وانطلقوا الى محراب المعبد كان الباب غليظا قاوم ضرباتهم وركعت سأرا امام أقدام الطاغية وهي تلفظ أنفاسها اضرموا النار فيه سيفتح ــ صاح أوتوهيكال هاتو المشاعل وقرب أحد الجنود اللهب على الجدار اللاوردي وكانت مفاصله
مركبة من شجر البطم بعد لحظات لاحظت نينا وإميركارالنار تلتهم الباب ورميا بانفسهما خارج المحرقة … وفي المدينة تعالت اصوات النحيب والبكاء للكهنة الحانقين وبدأ قتال الشوارع في كل مكان إنها مذبحة بدأ الناس يتناحرون باسم الآلهة إنكي وأنو وتكدس الجرحى في مستودعات المعبد الذين يئنون من جراحهم بين قفف البلح والليمون والبطيخ ، بينما بدأت تعدو قطيع الحمير الصغيرة ذات الأطواق الزرقاء في الشوارع وهي تقلب ما تصادفه وتصاعد الدخان في زوايا المدينة الاربعة …
لقد أحرق أوتوهيكال المدينة وجر إليها الدمار ، وجلب معه مئات الاسرى من العبيد الذين وثقوا كالبهائم … ومن بقي في المدينة من الشيوخ هرعوا لنقل أوعية الماء من يد ليد لاطفاء الحرائق لكن هذه الايدي الضعيفة المرتجفة لم تكن تقوى على مكافحة ألسنة النيران التي حولت أبراج -زيغورات -الى غبار بينما بدأت تفوح روائح الدماء في ظلمات الليل وتخرج خلف الجدران واتجهت جحافل جيش –أوتوهيكال- الى أوروك الواقعة خلف الفرات لكن ، مسيره تأخر بسبب حركة الاسرى الذين أوثقت أعناقهم وظهورهم مما أعاق حركتهم … ويستحيل أن يبادر أي أسير بحركة دون أن يشد معه الحبل المربوط حتى الاعناق لأنه إذا ما فعل فسيشد عقدة الحبل على رقبته ، وهكذا كان كل واحد يحسب خطواته ويقيسها على خطوات جاره .

كانت نينا وسط رتل الاسرى وهي ذات الوجه البريء أخافها كابوس المؤامرة وكانت تتأرجح في كل مرة تخطو فيها خطوة كان الحبل يشد على عنقها ، وحاولت أكثر من مرة أن تلتفت خلفها ، لتشاهد المدينة المحترقة وقد تصاعدت منها ألسنة اللهب لقد شاهدت الموت بعينها الى أين المصير ؟ أين تتجه ؟ أين أهلها ؟ لم تعرف أحدا وهذا القطيع من البشر قربها وفجأة برز صوت أنين من بين قافلة الاسرى وبدأت تغني لحنا من بلاد البحر عندئذ بدت ابتسامة حزينة على وجه نينا إنه- نام- شقيقها مشيرا أنه على قيد الحياة ، أما الأمراء الذين طردوا من المدينة المسلوبة توقفوا عند أسوارها ليتدارسو ما حل بهم وقد ثاروا لكنهم عاجزون أن يفعلوا شيئا …. وأشار غوديا حاكم لا غاش بقبضته : ــ سيأتي يوم يا أوتوهيكال لتقع في الأسر إني أقسم بالإله –ننيغريسو- أننا سننتقم … وسيأكل العقبان جسمك ويقلعون عيونك وستكون عظامك فريسة للوحوش والأسود في الغابة إني أقسم … قال الأمير- أورنامو- سأرفع أنقاض زغورات وأعاقبك أيها الملك المتغطرس و هز غوديا رأسه مخاطبا الإمير لا تنسى با اورنامو أن أوتوهيكال الخبيث يأخذ ابنك رهينة في مملكته … ومشى الأمراء يجرون أثوابهم الفخمة ولم يعد يسمع سوى أنين الثكلى والمساكين …

*********************************************

الفصل التاسع

استطاع الملك أوتوهيغال بقوة جياده الوصول في غضون يومين الى –أوروك- قبل رتل الأسرى … لقد عانوا هؤلاء كثيرا تحت الشمس الللاهبة وأمام لسع الذباب والبعوض التي لا يستطيعون كشها عن وجوههم نظرا للاغلال في أيديهم ولم ينسوا تلك الليالي الطويلة في الحقول وكانوا يرون عيون الوحوش المفترسه وهي تلمع وتراقب ولا تختفي لدى سماع زئير الأسود ناهيك عن الجوع والتعب والعطش وضربات السوط .. وهكذا وصلوا الى أسوار أوروك بعد ليال من المشقة ولم يروا أبراجها المئة حيث يقوم الحراس بحراستها كالتماثيل … وبعد وصول رتل الأسرى تقدم رئيس القافلة نافضا ثيابه من الغبار نحو الملك فبادره الملك سائلا: –

كم فقدنا من الرؤوس ؟ عشرين فقط يامولاي .. فابتسم أوتوهيكال وسأله فيما إذا كان من الضروري استبدال اليد العاملة التي تعمل في بناء أوروك الجديدة ….على مساحات كبيرة من الأراضي المستقطعة ، وكان العبيد من الفجر الى الليل وقد قاسوا الكثير من مر الحياة نتيجة ضربات السوط والحمى والأمراض .
– حسنا كالعادة قم بما يلزم انتقي الأقوى والأصلح منهم وسيباع الآخرون أو يقتلون
ــ يوجد مشاغل كبيرة لدينا في اعمال البناء ياسيدي .
ــ لا تنسى هؤلاء الراقصات الذين وشموا لخدمة الإله (أنو) للتوجه الى المعبد .
ــ سيبقون عبيد المعبد .
ــ وماذا عن أولادهم الذكور يامولاي ؟
ــ من يعمل منهم سيبقى على قيد الحياة لأني انوي أن أجمع بغالا لجر العربات .
ــ سمعا وطاعة يامولاي .سيوفدون الى الإصطبلات .
إفعل ذلك بسرعة كما قلت. وهكذا تمت عملية اصطفاء العبيد .
بعدها فصل الحرس الرقيق حسب الجهات المطلوبة كما أمر الملك وكان يسمع أنين الأسرى الذين يتألمون ويستنجدون بأحبابهم وذويهم … وأمام هذه الماسي والآلام بقي الملك الجبار واقفا بلا حراك كأنه كتلة من الغرانيت

عندما أفرغت الساحة من الجرحى لم يبقى أمام فاتح-إيرودو- إلا إمرأة مربوطة من عنقها ويداها طليقتان , اتها – سارا التي تبعت جيش الطاغية على أمل أن تستعيد مكانتها وتحصل على مكاسب لما فعلت .
-ماذا تفعلين هنا ؟
خرت الأكادية راكعة أمام السلطان
ــ أيها الملك العظيم لقد ساعدتك على أسر هذه المغنية التي كنت راغبا بسماع صوتها.
ضحك أوتوهيكال ملء فمه .
ــ كنت أجد مبررا لأخضع إيريدو لسلطاني أيتها الغبية. ثم أطبق عينيه
ــ لماذا أنت هنا ؟
ــ كنت قد أمرت ألا يحضر العجائز والشيوخ .. هيا أجيبيني . لا أحب الطماعين ولا الخونة وهذه من ميزات الملك والملك فقط .
وقفت- سأرا- حائرة مضطربة :
-إنني من اصل اكادي يا مولاي , بلاد أكاد جزء من مملكتي .و يعود نسبي لشاروكونوا
– حسنا .. حسنا ..
– اسمح لي يامولاي أن أذكركم أن والدة ساريكونوا العظيم كانت كاهنة ، لم تستطع تربيته فوضعت المولود الجديد في قفة من الخيزران وألقتها على نهر الفرات فوجد احد الفلاحين القفة وكان فيها الطفل نائما .. بينما كانت تسعى لدلو الماء لحقولها ، التقطت الطفلةوربتها كولدها الى أن جاءت الآله عشتار وألقت نظرة على الطفل فوجدت عيون – شاريكونو-ا فيه وتوجته ملكا (للرؤوس السوداء )
وهكذا يامولاي يعود نسبي الى هذا الإله لقد رزقت ابنة.
بدا على أوتوهيكال نظرة التهكم والسخرية ..
-إن السومريين والرءوس السود كما تسميهم ليس لديهم سوى ملك واحد وإله واحد هو أنا فاعبدون .. أنا الآمر الناهي .. كل من يتحدث عن نسب يجب أن يفكر بمولاه الجد ، والأب أنا .

– هل تتوقعين مكافأتك على خيانتك ؟
شعرت سأرا بالإهانة والذل
ــ في إيريدو كنت أمة يامولاي ..
– لن تبق كذلك . قال أوتوهيغال مشيرا لأحد الحرس كان يقف وراءه وهمس بأذنه عندئذ أمسك حارسان- بسأرا-ورموا بها خارج أسوار اوروك من ذلك الباب الذي يصل الى الصحارى ..
ــ لقد اطلق سراحك الملك وينصحك أن تعودي من حيث أتيت ودفعها الى الصحراء قائلا : ــ هيا للشيطان .!!
وقفت سأرا وقد لفحتها الشمس وقد فكرت مليا بطريق العودة الطويل ومخاطر الليل من الوحوش والغربان ومشت … الى قدر مجهول .!!

في أثناء ذلك اجتمع نينا ونام في غرفة كبيرة كان يحصى فيها عدد الصبية .. سألت نينا مضطربة :
– هل شاهدت والدينا ؟
– لا لم أرهما ، لكني امل أنهما وجدا مخبأ في أيرودو ونجا من الأسر وإلا كانا أعطيانا إشارة عن وجودهما بين الأسرى أثناء الطريق .. ابتسمت نينا إبتسامة شاحبة ..
-مثلك يانام كانت أغنية الفلاح ملاذا أشكرك لقد واسيتني وأدخلت الطمأنينة الى قلبي لأعرف أنك كنت معي ..
ــ أمر واحد يهمني الآن هو ان نبقى جنبا الى جنب ــ
-ماذا سيفعلون بنا ؟
لم يكن لدى نّام الوقت الكافي حينما دخل الجنود القاعة لدفع الصبية نحو اصطبلات القصر .. واقتيدت بدورها نينا مع بقية الفتيات الى أجنحة معبد (انو ) وكأنها النعاج الخائفة كانت الفتيات يلتصقن بعضهن ببعض كالشاة التي تساق للمسلخ . وفي هذا الموقف الصعب لاحظت نينا أن صديقتين كانت قربها-إيريس- وأركسي ، همست إيريس الأرمنية قائلة : هيا يانينا ! تشجعي لقد عشنا أنا وإيريس وليتيانه حياة التنقل ولا يتجاوز عمرنا الخامسة عشرة .
تنقلنا أربع مرات بين المدن والأقاليم وتعرفنا على الهة ورهبان وخلال حياتنا القصيرة والحمد لله لم يقتلونا طالما نستطيع الغناء والرقص .
– وليس المهم الآن ان نغني مدائح لللآلهة (أنو إنليل وإنانا وأنكي ) ثلاثة الاف وستة مائه من الهة سومر .. المهم أن نغني في الحفلات والحمد لله على السلامة
ــ وقد لا نرى بعد ذلك أهلنا دون شك .
وتنهدت ليتيانه السيريانية بحسرة قائلة :
ــ كنت صغيرة جدا عندما خطفوني من اهلي حتى أنني لا أتذكر وجه أمي .
ــ وأنت يا إيريس ؟
-أنا من سوس ، وجدني أحد الجنود في لاغاش وعلى كومة من الأنقاض وأنا أبكي بعد أن سطو المدينة ، كان لطيفا فقد حملني معه على دابته وأتى بي الى وادي الرافدين .. ومن معبد –نينغيرسو- الى لا غاش مررت بخدمة الإلهه -اوما – ثم إلهه( اداب ) وإلهه اداب هذا هو الذي وهبني لجودي من أجل خدمة معبده .

وعلى كل حال إنها طريقة أوبأخرى للترحال والتنقل ، لكن لا شيئ ينسيني سوس و روعة قصورها المزينة بالأحجار النفيسة وجدرانها الخضراء حيث تنصب فيها تماثيل الأسود والصقور … ولا أنسى أمي التي كانت تغني مثلك يانينا ولهذا السبب أطبق عيني عندما أسمعك فأنني أتذكرها وأراها فيك وكأني ما زلت بعد في سوس ..
لا تبكي يا أيريس سأتعلم أغانيكم من إيلام ، وشكرت الفتاة اللإمية بابتسامة للتعبير عن شكرها وقالت : منذ مدة طويلة لم أعرف البكاء .

**************************************

الفصل العاشر

صاح منادي الملك على دابته في شوارع –أوروك- متنقلا من ساحة الى أخرى بأمر من مولانا الملك أتوهيغال : على كل مواطن في المدينة يتمتع بصحة جيدة أن يحمل معوله وسلته ليساهم في بناء أوروك الجديدة …
لقد قرر مولانا بناء سور كبير طوله عشرة كلم وجدران مزدوجة تجمع كافة الأحياء السكنية كالمعابد والحدائق والحقول والمراعي وكل مايلزم من مرافق الحياة للسكان ، وسنزين الأبراج بالتماثيل ، ونزيد من مناعتها وقوتها بمضاعفة سماكة الجدران .. ليس لخمسة أمتار فقط كما هو الحال في أوروك القديمة لتبلغ سبعة أمتار . وستبدأ الأعمال ابتداء من اليوم .
يطلب من الرجال أن يتجمعوا في الباب الشمالي .
وقام المنادي بضرب حماره لينتقل الى مكان اخر وينقل الأمر الملكي .

دب الذعر في شوارع المدينة وأخذ الناس ينظرون بعضهم بعضا دون ان يجرؤ أحد بهمس كلمة واحدة وهو يقولون ماذا أصاب الملك ؟ هل جن ؟ إن مدينتنا الحصينة مشهورة بقوتها ومنعتها ،فهل ينوي بناء مدينة جديدة ؟ وقد بدا خوف الطاغية شديدا حتى أن رجال المدينة انضموا الى طبقة العبيد لحفر أسس المدينة الجديدة بالسرعة الممكنة وللتعبير عن استيائهم بدؤوا ينشدون مرثية غلغامش :  » بنى غلغامش البطل أوروك ، تلك المدينة الباسلة
التي تنتصب سيلا من المعدن الصلب ، وكلما تكدست حجارتها
 » بعضا فوق بعض ، سجلوا نقوشكم على جدرانكم واقطعوها …
وتأملوا صرحها العظيم ، تذمر رجال أوروك وأنتفضوا …
وانتحبت الامهات ، وبكت الفتيات .. لأن يد الملك الطولى تطأ كل شيئ …
ويسحق سلطانه أوروك ببأس ، لقد ذاع صيت تلك الجدران ..
وشهدت أياما ، حيث يعمل الرجال ليل نهار….
ولا يحق للولد أن يسأل عن ابيه ، ولا تستطيع البنت أن ترى صديقها ..
وليس بمقدور الزوج أن يعانق زوجته ..
وكل حيٌ مقدر له العمل والبناء … »

نادى ملك أوتوهيكال كبير مساعديه ، الذي كان يسموه مواطنوا أوروك- بسارق الثروات -وذلك وسط موجة الإستياء العارمة … وكانت مهمة كبير المساعدين كبيرة لأن اقل هفوة يمكن أن يرتكبها فإنه يعرض حياته للخطر إذا ما غضب الملك عليه لذلك كان هذا المنصب لا أحد يحسده عليه وقد سقطت رؤوس كثيرة فيه … وهكذا فإن سارق الثروات كان شديد الحرص على مهمته حرصه على الحياة .
وقف بين أيدي سيده مبتسما حائرا .. ونظر إليه الملك صامتا وقد أخفض نظره على يديه وبدأ بتقليم أظافره وهو يحكها على ثوبه وهذه إشارة معروفة يدركها كبير مساعديه أن الملك في حيرة من أمره فقال أوتوهيغال : إن نهب إيرودو لم يجلب لنا الكثير لذلك يلزمنا الكثير من المشاريع التوسعية … وما هي الضرائب التي يمكن ان نفرضها زيادة ؟ لدى سماعه هذا السؤال وقف كبير المساعدين مضطربا وبدت عليه الحيرة فقال : خلال سبع سنوات استطاع محصل الضرائب حجز مراكب المملكة ستة مرات أضف إليها خراج المحاصيل والحبوب والصيد …
– أعلم .. أعلم .. أكمل ماذا عن الاغنياء ؟
ــ إن أعيان المدينة التابعين شهدوا حجوزات لأنعامهم ومحاصيلهم وبيوتهم التي تمت مصادرتها ويتعين عليهم أن يدفعوا مبلغا كبيرا ً لقاء ملكيتهم لهذه الأنعام .
ــ لقد كانت فكرة جيدة يامساعدي ، لكنني أفترض تبقى لهم شيئا ما أليس كذلك ؟
ــ لا شيئ يامولاي ..
ــ إذا لا نفع أن تحدثني عن هذا ، هل لديك اقتراح لضريبة جديدة .
ــ يمكننا الحصول على المال بفرض ضريبة على النساء اللواتي يستخدمن العطور ، ونطالب أيضا بعائدات على الخراف البيض .
ــ لا .. هذا من شأنه أن يضعف شعبيتنا ، طالما أن الخراف كلها بيضاء . تقريبا كلهم يامولاي ، لكن ليس الكل ، إني أقترح يا مولاي أوتوهيغال أن نحدث وظيفة نسميها : جزاز في خدمة الإله أونو . وبذلك نلزم كل مالك قطيع أن يجز خرافه البيض ب… رفع أوتوهيغال ذراعيه للسماء وقال : أنت رائع . بكل بساطة ، إنني زرائعي يا مولاي لأن هذه الفكرة ستجلب لنا خلال سنتين او ثلاث سنوات المال الوفير.
– ولكن بعد ذلك ! ـــ ماذا بعد ذلك ؟
ــ إني اخشى أن تكون كافة الخراف في المملكة ليست من أصل أسترخان . فتمتم أوتوهيغال إذا إقتراحك ليس بمحله .
ــ نعم إذا فعلنا ذلك بإجراء عادل وصحيح يا مولاي أوتوهيغال سيد العدل سنقوم لاحقا بفرض ضريبة على الخراف السود ، ولا أحد يستطيع أن يحتج على هذا .
ــ ها .. ها.. ضحك الملك أعتقد انك ستعيش طويلا .. ها.. ها.. ها… هذه الصفقة تتراوح بين سنتين للخراف البيض وسنتين للخراف السود .

ابحث الآن عن الراقصات واحضرهن أريد أن أمضي قسطا من المتعة واحضر الملكة وأولاد الأمراء إنني بمزاج جيد ، وأريد التسلية هيا .. إفعل بسرعة !

واختفى( سارق الثروات )بسرعة عن الأنظار وكأن إله الريح إنليل قد نفخ عليه .واستعدت نينا-وسط رفيقاتها المنشغلات وقد غص حلقها عندما فكرت أنها ستغني بحضرة هذا الطاغية الكبير ، وكانت تنتابها رغبة ملحة للبكاء أكثر من الغناء . وسارع كبير مساعدي الملك للأفراح والمسرات ،بتعجيل الفتيات الصغيرات واجتاز بسرعة القصر المنيف الذي تترامى فيه المسافات اللامتناهية . حيث توجد أجنحة كبيرة مزينة بالأزهار والفسيفساء في مختلف الألوان تمثل جميع الألوان من أزرق داكن إلى أحمر قان حتى يتموج الى لون الإخضرار الغريب . وبعيدا عن هذا المكان كان هناك لوحات كبيرة تلمع داخل الغرف الحزينة التي لا تجد ضوءها إلا بنور الشمس . وكان الجو في القصر ثقيلا ومكبلا … حتى السقامة .

وأخيرا ، بعد تنهد وزفرة عميقة وجدت نينا الشمس من على الشرفة تطل على النهر والسهل وأمامها بحر من الغيوم . وبينما كانت تنحني لمشاهدة الحدائق الغناء وحقول الأزهار والثمار التي تنتجها الأرض السومرية ، لا حظت تلك المدرجات التي كانت ترتفع حتى سور القصر .. وهناك ما وراء الفرات يمتد أمام الناظر مراة ً لأشجار النخيل حيث يشاد خلفه معبد (أنو) ساطع البياض يرتفع الى قبة السماء ، وكأنه في صلاة .
اعتذرت الملكة عن الحفل واتخذ الملك مكانه أمام الباب الرئيسي يحيط به أعيان المملكة وصغار الصبية .
ضحكت نينا بدهشة ــ لقد عرفت صبيا شاهدته بين الأمراء والحاشية لأول مرة لدى نزوله من المركب عند مصب نهر دجله ، أما أركسي التي كانت تمسك بيدها الربابة لمرافقتها في الغناء همست لها  »
ــ من تريه امامك : إنه شلكي ابن أمير اور ..لقد كنت مغنية في بلاط أبيه تقع الماسي والنكبات في مدينة أور .. وأضافت إيريس إني أعرفه أنا أيضا هو أسير مملكة أوروك منذ العام الماضي . ــ تقولين أسير ؟ ! إنه رهينة هذا الملك الجبار أوتوهيغال وكبقية الأمراء التابعين … ارتجفت أركسي ــ اسكتي يا إريس ، يمكن للملك أن يسمعك .. لكن إيرس كانت قد مضت في كلامها .بعد ذلك إذا أردت سأناديه بالسافل !
– أنظري لقد إختطف ابن أخي عزيزنا جودي ــ
هل هو داميك ؟ أين تريه ؟ إنه يخفض رأسه قرب كبير الأعيان ، ويشبه سجانا قد تحول الى وصيف . فلاحظت نينا إنه مشهد غريب أن يعفي أوتوهيغال عن داميك ويسمح له أن ينضم الى حاشيته ، هذا أمر لا بأس به وابتسمت أركسي ابتسامة جافة … أرى انك لست مطلعة على عادات ملك الأقاليم الأربعة .. لقد أمر الملك أن يبقى أمراء الملوك والحكام من الصنف الأول تحت امرته وأن يلتحقوا بالمملكة خوفا من يثأر أباؤوهم لهم .

وبعدها إذا ما أعلنوا الطاعة له .. وبعبارة اخرى ، إذا ما إستطاع تكسير أجنحتهم قد يعين منهم ولي للعهد ــ مسكين داميك إنه شاب فرح بسيط إنه صديق أخي( نام )
-ونام ماذا حل به ؟ انتفضت الفتاة وتنهدت قائلة : كان كاتبا ، والآن يتعلم تبديل ركاب البهائم في الإصطبلات الخاصة بالملك . لقد فرغ صبر الملك أوتو ورمق الموسيقين بنظرة وهم يضبطون إيقاع الاتهم
-هيا للغناء ! ــ شيئ من الفرح والحبور ، إني أشعر أن قلبي فرح ومسرور .

بدأ الموسيقيون بالعزف وما كادت المغنيات تفتح أفواهها للغناء حتى سمعوا صوت رعد وزمجر خافت نينا وهي ابنة القروي من العاصفة ، ورفع أوتوهيغال رأسه خائفا باتجاه السماء حيث كانت تتصادم كتل الغيوم الكبيرة يدفعها ريح عاتية وبدأ يشعر بالذعر وغادر منصة البهو وقلب مقعده على عجل .!

يتبع الجزء الخامس من رواية السومرية