Oiseau – الأنسان الطيب والطير

Par défaut

oiseau_triste

الانسان االطيب والطير

 

المقدمة :

 

تروي هذه القصة الكارثة البيئيئة التي المت بالشواطئ اللبنانية اثر قصف اسرائيل لمركز لتوليد الكهرباء في اللأيام الأولى لعدوانها على لبنان وتدفق الفيول في البحر الأبيض المتوسط جيث تدفق مايقارب 1200 طن لوثت الشواطئ وامتدت بقع الزيت الى الشواطئ السورية والتركية

 

عبأت السلطات اللبنانية كافة الامكانيات لتنظيف الساحل بلغت نفقاتها 639 مليون فرنك فرنسي , لكن آثار تلوث الساحل بقيت في مخيلة كاتب القصة وأهالي مدينة صور

 

كان طير طليق يحلق فوق المتوسط كالريح يحدث نفسه:

،، أرى شيئا قاتما على وجه الماء إنه بالتأكيد منصة للسمك سأمتع نفسي واحد إثنان وغطس …

ولكن مالذي حصل لي لم أجد ذلك السمك الموعود ثقلت أجنحتي فجأة لا أستطيع الحراك كتلة سوداء تلتصق بريشي وامتلأ منها منقاري حالي كحال أخوتي وأخواتي من الطيور أحدهم سقط عموديا ونادى النجدة ….

 

الأحد السادس عشر من تموز يوليو 2006

الأخبار : لاينقطع رنين الهاتف ؟ ويعوداسعد إلى سريره ليوقف المنبه إنها الثامنة والنصف صباحا وكان هذا الصبي يقضي اجازة الصيف مع والدته فاطمة في منزلهم الكائن في مدينة صور الساحلية ونادرا ما يوقظني في هذه الساعة وهبط الصبي إلى الصالة ليرى والدته تعيد سماعة الهاتف مكانها .

 

وبادرته مضطربة اسعد لدي أخبار مزعجةهلم بنا لسماع الاخبار … وكانت ترتدي لباس النوم وعيونها مرهقة وشعرها أشعث … وقالت الانباء :لقد ضرب العدو الأسرائيلي خزان الوقود في مركز توليد اتلكهرباء ويتدفق النفط في عرض البحر

 

وهكذا فإن الشاطئ اللبناني مهدد بانتشار بركة زيتية كبيرة .

 

وتخضب وجه فاطمة من الغضب لدى سماعها ذلك، إذا مابلغت البقعة النفطية شاطئ صور فالحقيقة إنها كارثة ، لم يجب اسعد وظل صامتا إنه ليس بأصم يفهم الكلام لكن الكلمات منحبسة داخل ذاته منذ فترة طويلة ويقول المختصون الذين يعالجونه إنه يعاني من الانكماش وقد اضطرت فاطمة تعلم لغة الاشارة لتتواصل مع ابنها ومع ذلك فإن اسعد حتى بلغة الاشارة نادرا مايتجاوب مع الاخرين وعلى كل حال لم يبلغ من العمر سوى عشر سنوات وبركة سوداء لا يفهم مخاوفها …

 

الأثنيسن السابع عشر من تموز  الفصل الثاني

 

اكتشاف طير :

 

منذ خمسة أيام والطيور الملوثة بالمازوت تتهاوى على سواحل صور مما يثير قلق ألأهالي . آملين ألا ينتشر الزيت على سواحلهم …

صاحت والدة الصبي على اسعد أن يضع معطفه لنجول على الشاطئ

 

توقفت سيارتهم على طرف الطريق الساحلي بعدما يقارب النصف ساعة , والريح تعصف حتى كان من الصعب فتح أبواب السيارة … وبادرت قائلة :

 

،، انظر خالد هنا ! ،، أخذ على عاتقه مسؤولية مراقبة سواحل الجزيرة ….لقد التقطنا مئات الطيور الملوثة بالمازوت منذ االصباح وكان الكثير من طيور( تروي) هلم اسعد خذ هذه الفوطة وفيما إذا وجدت طيرا خذ مكانا بين الموجة والطير لتحول دون عودته إلى البحر وبالتالي ارمي بالفوطة فوقه وسترى لن يتمكن من الحراك …. ثم ركض الطفل بأقصى سرعته فوق الشاطئ بالرغم من قوة الرياح … وصاحت والدته بأن ،، انتظرني ،، كان البحر هائجا وعدد الطيور المحلقة ضئيل …

 

وفجأة لاحظ اسعد جسما صغيرا أسود اللون يتخبط بجناحية اللزجة وانتظر أن تحمله الأمواج لتضعه فوق الرمال ووقف حائلا بينه وبين مياه المحيط ثم تمكن الطفل من ذلك وعندها خاف الطير ابتعد باتجاه الكثبان … وذلك الزيت الثقيل الذي غطى جسمه حال دون مشيته المعتادة وتخبط ثم وقع فوق رأسه واقترب الصبي بهدوء وعبثا حاول هذا المخلوق أن ينهض مرة أخرى لكن دون جدوى .

 

ونجح اسعد بإلقاء الفوطة فوق الطير ثم رفعها مراقبا ليرى عينيه الصغيرتين تنظران بتعب من خلال الزيت ، إنه تعب للغاية وكان من وقت لآخر يغمض جفنيه كما لو كان يرغب في النوم أو ربما يستسلم للموت …

 

وفي قرارة نفسه كان اسعد يتضرع كي لا يلقى هذا المصير … وحدق ذلك الطير بوجه الصبي ،، من هذا الانسان الطيب الذي صادفني ؟ هل يريد أ ن يبتلعني ؟ إني منهك لللغاية لن أحاول الفرار إذا ما قترب مني ، لقد استهلكت قدرتي , وأشعر بدفء يديه وربما لن يؤذيني ؟ وهذا ما يجعلني أتحمل مقاومة هذه البقعة الزيتية اللعينة التي أتعبتني إني جائع ؟ أرتجف بردا , وأتوسل إليك أن تساعدني أيها الانسان الطيب!

 

وصلت فاطمة متسائلة ،، هل هذا أكتع القطب الشمالي ،، ورد اسعد بلغة الاشارة ،، إنه ابو سعد

 

الفصل الرابع : بيت الرفق بالحيوان

 

وصل اسعد وفاطمة بيت مختار القرية ورات أشخاص منهمكين في تفريغ الصناديق وبادرت فاطمة محيية أحد المسؤلين فرد الموظف مرحبا نحن مشغولين جدا أتحملين معك طيرا ؟ ،، نعم لقد وجده اسعد وقرر تسميته ابو سعد ،، إن ابو عامر يعرف والد سعد وهو يشغل حاليا منصب محافظ على الموارد الطبيعة في المحافظة وراقب الطير … يبدو عليه الخوف سنتركه لبعض الوقت ليهدأ … ثم حمل الطير إلى غرفة اخرى حيث يوجد عددا من الصناديق التي تحتوي على أمثاله من الطيور الملوثة بمادة المازوت … ولا يزال الطيرابو سعد عنده المقدرة على المقاومة وقال خالد معلقا ،، إن الطير لم يسبق له أن رأى أناسا ملتفة حوله هكذا .. فما زاال خائفا والقلق ينتاب اسعد على الطيرفاقترب من الصندوق الذي وضع فيه جوناتان وأحاطه بذراعية … وقالت فاطمة ،، لقد تعلق اسعد كثيرا بالطير !! وأنه يرغب بالاهتمام به ،، وهل هناك وسيلة تميزه عن الطيور الاخرى ،، فشرح خالد قائلا هذا النوع من الطيور فرصته ضئيلة بالنجاة ولا أحد يعلم في الوقت الحالي كيف يمكن إزالة البقع المازوتية عنه وسنكتفي بإطعامها وتقديم الادوية اللازمة لها .. حتى تقاوم .. عندئذ شد الطفل الصندوق نحوه بقوة … فقالت فاطمة ،، كما ترى يا خالد إنه جاد بالعناية به ،، فرد خالد مرتبكا … ،، افهمني يا آاسعد ن كل العصافير التي تصلنا مصيرها الموت ،، وهز الطفل ردن خالد والام مشيرة برأسها .. وعندها تنهد خالد الصعداء وقال حسنا .. حسنا سنعمل ما بوسعنا .. وفتح جارورا واختار خاتما متعدد الالوان سنختار هذا الخاتم ثم فتح الصندوق وحرك الطير بيديه التي تلبس القفازات فارتجف الطير خائفا … ،، لقد وضعوني في سجن دافء لكن ! لا أستطيع نشر جناحي ، وهذه المادة السوداء اللزجة فوق جسدي تؤلمني … سأحاول التخلص منها بمنقاري ؟ لكنها في كل مكان حتى أشعر أني ابتلعها ! وهذا الانسان قد وضع حول قائمتي شيء قاس لا أستطيع التحرر منه ، ما هذا يا ترى ؟ أود أن أرى أخوتي .. البحر ؟ أخواتي كم أود ذلك ! لكن الخوف يمتلكني … ،،

 

،، انتهى الامر .. قال خالد مندهشا ، وضعنا له الخاتم !! .. وهو يمسح برفق فوق رأس الطير وريشه الملوث بالنفط الخام ليخفف من خوف ذلك المخلوق ،،

 

الفصل الرابع

الاسعافات الأولية

 

عادت فاطمة إلى البيت وفي غضون ذلك اقترح خالد على اسعد مساعدته في إطعام الطير وقال له ستلبس هذه القفازات المطاطية وتمسك بيدك أكتع البحر بقوة وعندها أخرج الطير وناوله للطفل برفق واستشعر بخفقان قلب صديقه وهو يضرب بسرعة …

 

في المرحلة الأولى سأفتح منقاره و دون أن يطبق على إصبعي وسأرشف المازوت بورقة النشاف انظر ما نزعت ؟ ! مشيرا كيف أصبحت الورقة سوداء تماما …

 

في المرحلة الثانية التلقيم: … لا يقوى الطير على تناول طعامه بنفسه فهو منهك جدا سنحاول تلقيمه .. عندئذ تناول خالد أنبوبا من المطاط وفي نهايته مسبر ، وطلاه بمادة البارافان ليسهل زلجه في عنق الطير ومن ثم ملأه بزيت السمك … وأخيرا فتح خالد منقر ابو سعد وقال سأغرس المسبر في جوف الطير وحقن زيت السمك .. وتأثر اسعد لرؤوية ذلك الانبوب الطويل وأمسك الطيربإحكام وبدا راضيا دون حراك ،، الطعام … الطعام أخيرا … هذا ما يمدني بالقوه ! والان لا يريدون قتلي ،،

 

قال خالد وهو يلتقط مسبرا جديدا سأحقنه بمركب جديد سيعيد إليه عافيته وسأغرزه في صدره حيث تتواجد عضلاته الأشد قوة امسكه جيدا ! حسنا فعلت… انتهى الامر …

 

عندئذ غرزخالد كل المسبر وأغلق اسعد عينيه وشد الطير إليه وأخذته الشفقه عندما رأى ابو سعد يرتجف خوفا .. ،، لقد وخذوني .. يريدون قتلي .. أولا وهكذا وفجأة أشعر أنني سأخلد إلى نوم عميق ! ،، يطعمني ومن ثم يوجعني إني أشعر بالنعاس

 

وطمأن خالد الطفل قائلا تبقى وخزة أخرى وستكون الأخيرة لكنها هذه المرة دواء وسنضعه في صندوق جديد حتى يرتاح …

 

لقد كانت حالةابو سعد ميؤس منها لولا أن التقطه اسعد ووضع الطفل يده على قلب الطير ليتأكد أنه ما زال يخفق وأعاد صديقه الطير إلى الصندوق بعناية لينام …

 

الثلااء  في الثامن عشر من تموز  العيادة

 

كانت الكارثة كبيرة في ذلك اليوم وبعد ثمانية أيام من وصول العصافير الملوثة بالمازوت مازالت بقع النفط تلامس شواطئ صور

وأثارت عاصفة هوجاء وصول بقعة الزيت وشاهداسعد سكان البلدة يبكون لدى رؤويتهم البركة السوداء ، واختنقت الخلجان والشواطئ بتلك القطع السوداء اللزجة وكأن البحر قد تقيأها ؟ لقد جمعوا أكثر من أربعة آلاف طير ملوثة بالفيول وأغلبها من هذا النوع من طيورأكتع البحر والبطريق والبط والإوز والنورس وقد نفق نصفها عند بلوغها الشاطئ …

 

وانتقلت العيادة منذ ثلاثة أيام إلى مكان أكبر لكثرة عدد الطيور التي بحاجة إلى رعاية وكان مكانا مخصصا لسجن الاحداث والواقع فوق مرتفعات بلدة قريبة من صور . وكما اضطر خالد أن يرسل مئات من هذه الطيور إلى عيادات أخرى لعدم قدرتهم على استيعاب العدد الكبير من الطيور … ونجح اسعد بالحفاظ على ابو سعد قربه.. وخلال هذه الفترة كان يتعين على اسعد أن يبقى قرب صديقه ابو سعد فهو بحاجة إلى الراحة … وكلما حاول أن يداعبه يرفع الطير رأسه وكأنه يريد مخاطبته …

 

.. أيها الانسان ، اشتقت لذلك البحر الكبيرأيها الانسان الطيب , وكم أتمنى أن أغوص لألتقط السمك وأعوم فوق مياهه مع أخوتي وأخواتي من الطيور وأفرد أجنحتي تحت الشمس .. سمعت وصول رفاقي متجمعين حولي , يعانون ما أعاني ه إنه بالحق كابوس ب ساعدني للخروج من هذا الو ضع … وقد فرزابو سعد مع إحدى عشر طيرا من نوعه في نفس المكان من العيادة

 

و أخذ اسعد ووالدته فاطمة على عاتقهما تنظيف المكان وإطعام الطيور … وعليهم أخذ الحذر لألا ينقلوا الأمراض لهذه المخلوقات الضعيفة فمثلا من واجبهم وضع القفازات عند العمل ولباس أحذية خاصة بالاضافة إلى مريلة للحفاظ على ثيابهم نظيفة … وتغيير الصناديق بأخرى نظيفة كل يوم وغسيل الارض بالماء الساخن وأيضا بمواد مطهرة … ومن ثم شطفها بالماء البارد … ويمنع عليهم اصدار أية ضجة حفاظا على راحة الطيور … المكان دافء جدا والروائح منعشة ….

 

وحاول اسعد البارحة أن يطعم الطيور سمكا, ويحضرهم من مطبخ المركز الصحي المجهز لكل طير على حدا … فالطفل أحب هذه الطيور ربما لأنه وجد حزنا عميقا في عيونهم وابو سعد يمتثل للشفاء شيئا فشيئا …

،،ن ليس بوسعي أن أحافظ على توازني بعد.. وهذا الانسان الطيب يثير شهيتي للطعام دون أن يتفوه بكلمة ، وضعوني أخيرا في مكان أستطيع أن أفرد فيه جناحي , ، وكان اسعد ووالدته يبللان قوائم الطيور بالماء للحفاظ على ليونتها .. وبفضل حرارة المدافء الكهربائية لم تمت هذه المخلوقات الضعيفة من البرد ..لايلبث اسعد أن ينتابه الخوف على صديقه ابو سعد الذي خفت شهيته للطعام فجأة فأبلغ الطبيب البيطري والذي بدوره أعد زرقة من الدواء واستجاب الطير دون خوف متأملا الصبي دون حراك …

 

،، تعجبني رعاية هذا الانسان الطيب بقوائمي ؛ لكن الخاتم يؤلمني !! وهذا الآخر وخزني بإبرة إنه لأمر غريب ومنذ ذلك الوقت بدأت أشعر بالتحسن ؟ في الليل اقترب مني أقراني ونشعر بالدفء ؟ من الضروري أن ندعم بعضنا بعضا ،،

 

الفصل السادس

 

الأربعاء في التاسع عشر من تموز التاسعة صباحا ( الحادث )

 

صاحت الأم فاطمة أن انزل يا اسعد فورا لقد اتصل خالد وأخبرني أن المدافء الكهربائية قد تعطلت هذه الليلة والعشرات من الطيور قد نفقت … ولسماعه هذا الكلام وقف دون حراك ، فالطيور التي أنقذها ومن بينها ابو سعد !! غير صحيح ، ليس ابو سعد ! وارتدى ثيابه بسرعة قصوى وأخذ دراجته مجتازا المدينة والهواء البارد يلفح وجهه … آملا أن يرى صديقه وينقذ أقرانه من الطيور … كل الطيور … ولاحظ المتطوعين لدى وصوله المركز يحملون صناديق ملأى بالطيور الميتى ومتمتمين ،، لقد قتلهم البرد هذه الليلة ،، .

 

ومن شدة غضبه رفس اسعد بقدمه إحدى حاويات القمامة … من ثم اندفع إلى مكان وجود ابو سعد وإخوته فلم يجدهم ! لقد ألقي بهم مع بقية الطيور الميته وجمد آسعد مكانه دون حراك وجلس على الارض وانفجر باكيا …

 

،، سمع صوت خالد فجأة ينادي هيا آسعد طيورك تنتظرك في مكان وضعتهم فيه أكثر دفئا … ،، لم تصدق أذناه كلامه وركض بسرعة إلى غرفة في نهاية الممر … ها هي الطيور !! … في حالة يرثى لها لكنهم أحياء !! وزحف نحوه ابو سعد مستبشرا …

،، ها قد وصل صديقي !! آه لو كان يعرف كم ارتجفت هذا الليل .. وكم شعرت بالبرد ! برد شديد جعلني أقبع على الأرض في تلك القاعة القذرة .. ! ،،

 

بعد ذلك ابتلع جوناتان سمكة وتحولق حول المدفأة والتي ما لبثت تنشر دفأها , ناشرا جناحية متمتعا بالدفء الذي يسري في جسمه …

الفصل السابع

 

الخميس 20 تموز

 

انقضت عطلة اسعد وعليه ان يعود لفرنسالكن ظروف الحرب لم تسمح له بالعودة بقيت فاطمة وابنها اسعد … وسجل الصبي في مدرسة للصم والبكم واضطر أن يضع طيوره في عهدةخالد صديقة والدته وترك ذلك ألما في نفسه … ووعدته أن تقوم بالعمل خير قيام .. وطبعا قبل مغادرته ودع أصدقائه الطيور وقد بدا ابو سعد منزويا في ركن عندما ناوله الطفل سمكة وبالرغم من أنه لم يتفوه بكلمة كان يعتريه شعور بأن الطير يفهمه .. فقد اقترب منه متدللا ولا يزال جسمه مغطى بمادة النفط ولكن أقل مما كان عليه سابقا … مسح آسعد منقار صديقة مودعا المكان … وابتعد ودموعه تنهمر… وشعر الطير بالعزلة

،، هذا الانسان الطيب لم يطعمن اليوم كالمعتاد .. أخاف أن لاأره ثانية … وهي نفس المخاوف التي اعترتني عندما كنت صغيرا ووالدي طارا فوق أعالي الشاطئ الصخري ليحلقون فوق المحيط ، لا أحب أن أبقى وحيدا ما لذي سيحصل لي ؟ ،،

كان اسعد لا يصغي إلى شرح المعلمة في المدرسة وفكره يجول حول وضع صديقة الطير ابو سعد والأمر كذلك عندما يعود إلى البيت ، وكثيرا ما تأنبه والدته قائلة : ،، لماذا لا تأكل يا اسعد ،، لقد فقد شهيته للطعام وتشده رغبة جانحه للقاء صديقه الطير الذي كان بحاجة إليه وهو مدرك لذلك ، وخلال ثلاثة أيام كان يرفض المشاركة في المدرسة … وصباح يوم الجمعة عندما دخل الصف رأى معلمته تتحدث مع أمه فاطمة وبادرته متسائلة هل ترغب بالعودة إلى صور ؟ عندئذ ارتسمت البسمة على وجه آسعد وكانت رساله بليغة .. فهمتها الأم

 

الفصل الثامن

 

الجمعة 21 تموز ( العودة إلى فرنسا

 

عاد اسعد إلى صور مع من تم ترحيلهم من الرعايا الأجانب بالمركب ، وخلال رحلته كان يفكر بلقاء صديقه وقلبه ينبض فرحا ، وما أن حطت قدمه على رصيف المينا حتى طفق راكضا نحو مركز الرفق بالحيوان … شاهد خالدية تنظف الغرفة التي ترك فيها صديقةالطير  وفوجئت لمشاهدته ،، ها قد عدت ، حسنا .. ! ستبدأ اليوم عملية غسيل الطيور من المادة النفطية ،، وأخذ الطفل يعد الطيور فوجدهم كما تركهم … باحثا عن ابوسعد … ها هو يقترب منه مرحبا بصوت عال ،،

لقد كانت فرحة آسعد كبيرة وضم صديقة الطير إلى صدره برفق لئلا يؤلمه وبعد ظهر ذلك اليوم ، انتقى خالد خمسة من الطيور الأفضل وضعا للقيام بعملية الغسيل من المادة النفطية وكان من بينهم ابوسعد وطالبا من اسعد أن يملأ له وعاء من الماء الدافء سكب خالد فيه من مستحضر يحلل زيت المازوت وأخذ الطير يتحرك في كل الاتجاهات ، لكن آسعد ظل ممسكا به … وقيل أنه يلزمه أربعة مراحل غسيل ، وفي كل مرة كان يصب عليه ماء الصابون فتسيل منه تلك المياه الملوثة لتنتهي إلى المجاري .. لقد تم غسيل ابو سعد بنجاح حتى شوهد صدره الأبيض …

 

،، لقد تحققت المعجزة … وزال الطين من جسدي … يا لفرحتي ! أنا سعيد جدا جدا … لقد غدا صدري أبيض

لرغوة البحر ناصعا كالغيوم … كنت أعتقد أنهم سيقتلوني .. لكن لحسن الحظ إنني وضعت في أيد رحيمة .. وحتى الآن لم أر السماء والبحر. فمتى ذلك ؟؟،،

 

علينا أن نغسله جيدا وإلا ستمنعه المادة الزيتية من العوم ، وحماية نفسه من البرد .. لقد صدف أن مات عدة من الطيور بسبب ذلك في مراكز الرفق بالحيوان .. لدى سماعه ذلك انتابه قشعريرة ،، لا .. لا لن يحدث ذلك ل ابوسعد،، ومن ثم تم تجفيف ريشه بتعريضه لهواء ساخن عندئذ نشر الطير أجنحته وبدأ يرفرف من وقت لآخر … ثم وضع في غرفة حسنة التدفئة مع أخريات من الطيور وامتلأ قلب آسعد بالفرحة لرؤوية الطيور نظيفة وأيقن أن الأيام التي قضاها بجانب صديقه قد أثمرت … وستنقل الطيور قريبا إلى حوض ماء خاص …

 

الفصل التاسع   ( التحرر )

 

ذهب اليوم الصبي بصحبة خالد ووالدته إلى شاطئ في شمال الجزيرة وقد تم نقل عدة صناديق مملؤة    

بتلك الطيور بواسطة حافلة .. وأخذ خالد يشرح لأصدقائه ،، لقد قمنا بتنظيف عشرات الآلاف من الطيور التي سقطت ضحية البركة السوداء … لكن لم ينجو منها سوى بضع مئات ،، بالرغم من أن آسعد لا يفهم أمورعمل النقل البحري لكنه أقسم على نفسه أن يمحو تلك البرك السوداء حتى لا تكون حاملات النفط سببا في مآسي هذه المخلوقات البريئة …

توقفت الحافلة وأفرغت الصناديق فوق الشاطئ ، تحت مراقبة الكثير من الفضوليين، إلا واحدا .. قال خالد لاسعد ( إنه لي )

فتح الصبي بوابة القفص فمد الطيررأسه ليرى ما حوله ، وعندما لا حظ آسعد أن نظرة صديقة تغيرت وأصبحت أكثر وعيا … داعبه قليلا وقلبه كئيب لفراق صديقه ، وشم الطير رائحة المحيط وهو يخرج من قفصه مرفرفا على بضع خطوات ثم طفق طائرا نحو البحر ، وقبل أن يبلغ أصدقائه تردد قليلا وبقي قابعا في الماء واتجه برأسه نحو آسعد وكأنه يود وداعه …

 

،، وداعا ياصديقي .. سأذهب الآن لتحية الشمس .. لكني لن أنسى ما حييت الدفء والحنان الذي منحتني إياه وكل ما فعلته من أجلي ولا أنسى دموعك تنهمر لوضعي ،، وكانت المجموعة التي عامت فوق مياه البحر قد طارت جميعها نحو الأفق … وصفق المراقبون .. وارتعش آسعد وتملكه الحزن لأنه وجد نفسه وحيدا في صمت كبير وانهمرت دموعه متلئلئة في نور الشمس … وهنا صاح خالد فجأة ،، فاطمة انظري طير غير منحاه ! رفع آسعد عينيه وشاهد ظلا يحوم مرتفعا تارة ومقتربا تارة أخرى نحو رأس الطفل وكأنه يلقي عليه السلام … إنه ابوسعد ! وعندها شعر مرة أخرى وكأن تيارا ساخنا يسري في عروقه والكلمات المسجونة داخله تبحث عن طريق لها وتتقطع فوق شفاه الطفل .. وحلق الطير لثوان فوق الطفل ثم انطلق نحو المحيط … وما لبث آسعد أن نطق قائلا ( إلى اللقاء القريب يا ابوسعد)

قصة للكاتب اريك سيمار

 

اعدتها وترجمتها : فطمة حسام الدين . جنيف في 14يناير كانون الثاني 2006