Voie Paradis – الطريق الى الجنة

Par défaut

Roches_du_Paradis

          الطريق الى الجنة                 

 

 

قصة مترجمه عن الأنجليزية من اعداد فاطمة الحسامي

 

 

لقد اعترى السيدة فوستر طوال حياتها ذلك الشعور بالخوف الاّ يفوتها القطار‘ الطائرة ‘او السفينة اوحتى بداية عرض مسرحية الى أن اصبح مرضا لديها ‘ وبنظرة أخرى لم تك امرأة عصبية المزاج ‘ لكن مجرد التفكير بالتأخير يجعلها في حالة ارتباك . وبالنتيجة … خلّف لديها ذلك الشعور ارتجاف في عضلة صغيرة عند زاوية عينها ‘ لكن المزعج في الامر أن المشكلة تبقى قائمة لمدة ساعة أو ما يقارب الى أن تأخذ القطار أو الطائرة او أيّ كان .

 

حقا انه من الغرابة بمكان أن يعتري البعض خوفا بسيطا عند أخذهم القطار ويمكن أن ينمو ليصبح قلقا حقيقيا . وفضلا عن ذلك .. قبل نصف ساعة على الاقل من الموعد تخطو السيدة فوستر خارجة من المصعد وبكامل الجاهزية لتغادر المنزل الى المحطة لانه لم يعد بمقدورها الجلوس تنتقل من غرفة الى أخرى الى أن يرافقها زوجها والذي عليه ان يدرك حالة تفكيرها هذه , ويقترح أخيرا وبصوت لا يخلو من البرود والجفاف قائلا : لربما ان عليهم الذهاب .. أليس كذلك ؟ .

 

ربما لدى السيد فوستر الحق , ان صح التعبير ‘ ان يتزعج من غباء زوجته لكن لا من مبرر ان يزيد من قلقها ويلزمها الانتظار الغير ضروري .. طبعا ليس من المؤكد تقصّده ذلك ‘ مع العلم أنه أيما ذهبوا كانوا على الموعد تماما ــ لا تخلو من دقيقة او دقيقتين تأخير فهمتني ـــ وسلوكه هادئ للغاية لدرجة يصعب عليك التصديق أنه يتقصّد ايلام السيده التعيسة .

 

يعرف تماما أنها لن تجرؤ مناداته أو الطلب منه ان يسرع ‘ قد دربها وأحسن ذلك . ويعرف أيضا اذا ما كان مقررا أن ينتظر ولّو لزيادة قليلة عن المعقول سيمكنه ذلك من جعلها تقريبا مجنونه . وفي مناسبة أو مناسبتين تلت سنين زواجهما وخلال حياتهما الزوجية بدا وكأنه يريد ان يفوته القطار ـــ فقط ليزيد من متاعب السيدة المسكينه ..

 

عندما يكن الزوج قادرا في حقك ما الذي يجعل سلوكه نائيا عن العقلانية : حقيقة ان السيدة فوستر كانت ودائما زوجة محبة جيدة ولآكثر من ثلاثين عاما‘ ناهيك عن نقطة الضعف هذه خدمته باخلاص وسلوك حسن ولا شك في ذلك وحتى عندما تعرف بالامر بين الحين والآخر ‘ لا تدع نفسها تصدق بأن السيد فوستر يود ايذاءها باصرار وحصل مؤخرا أن بدأت تتساءل !!

 

ان عمر السيد أوجين فوستر حوالي سبعون عاما ويعيش مع زوجته في منزل كبير الطابق السادس شرق نيويورك الشارع اثنان وستون ــ ولديهم أربعة من الخدم . انه منزل معتم لا مرح فيه وقلة هم من يزوروه . لكن في صباح متميز من شهر يناير تحول البيت كله الى حيوية ‘ وكانت الكثير من النشاطات فيه .. احد الخدم يزيل اكوام من الاغطية المغبرّة من كل غرفة ــ بينما الآخر يغطي الاثاث بهم ‘ ومدير الخدم يحضر الحقائب ويضعها في الصالة . والطباخ جيئة وذهابا يتكلم مع مدير الخدم والسيدة فوستر نفسها مرتدية معطف الفراء التقليدي وقبعتها السوداء … كانت تنتقل وبسرعة من غرفة الى أخرى لتظهر أنها ترتب بنفسها هذه الاجراءات . وفعليّا ‘ كانت لاتفكر بشيء على الاطلاق عدا حقيقة واحدة بأنه سيفوتها موعد الطائرة !! ان لم يأت زوجها من مكتبه على الفور ويتهيأ للخروج معها .

 

ــ  » ما الوقت يا ولكر ؟  » سألت مدير الخدم بينما تمر به .

ــ  » انها التاسعة وعشرة دقائق ياسيدتي . »

ــ « هل السيارة جاهزة ؟ »

ــ  » نعم ‘ ياسيدتي ‘ تنتظرك .. سأقوم بوضع الحقائب الآن . »

ــ  » يستغرق وصولنا الى المطار ساعة  » قالت  » طائرتي ستقلع الساعة الحادية عشرة ‘ وعليّ أن أكون في المطار قبل نصف ساعة من وزن الحقائب .. سأتأخر ! أعلم تماما ساتأخر !  »

ــ  » أعتقد أن لديك الكثير من الوقت ياسيدتي  » قال مدير الخدم متلطفا .أنذرت السيد فوستر ان عليه المغادرة في التاسعة والربع ــ لا يزال متسع من خمسة دقائق أخرى  »

ــ  » نعم ‘ ولكر ‘ اعلم ‘ اعلم ضع الحقائب وبسرعة من فضلك ! »

وبدأت تمشي جيئة وذهابا في الصالة وكلما مرّ مدير الخدم سألته عن الوقت . وما فتأت تقول لنفسها هذه الطائرة عليها ألآ تفوتني ! لقد ألّحت كثيرا على زوجها لكي يسمح لها بالذهاب واذا ما فاتتها ربما يقرر وبسهولة أن ننسى الامر كله . وما كان يجلب الارتباك : اصرارة على الذهاب الى المطار بنفسه ليقول لها وداعا .

 

ــ « يا الهي  » قالت بصوت مرتفع  » ستفوتني الطائرةأعلم .. أعلم أعلم أنها ستفوتني . » والعضلة الصغيرة قرب عينها اليسرى كانت ترتجف بشدة والعينيين كانت على وشك البكاء ..

ــ  » ما الوقت يا ولكر ؟ »

ــ  » انها التاسعة وثمان عشرة دقيقة يا سيدتي . »

ــ  » حقا ستفوتني الآن !  » ارتفع صوتها  » أه أوّد لو يأتي الآن ! »

 

كانت رحلة مهمة بالنسبةللسيدة فوستر ‘ ستتوجه الى باريس بمفردها لزيارة ابنتها الوحيدة متزوجة من فرنسي .. ان السيدة فوستر لا تحب الرجل الفرنسي كثيرا لكنها مولعة بابنتها وفضلا عن ذلك ‘ انتظرت مرارا لترى أولادها الثلاثة لا تراهم سوى من الصور التي استلمتها ولا تكل من وضعهم في كل ركن من المنزل .. كانوا اولادا رائعين أحبتهم وفي كل مرة تصلها صوره تحملها لتتأملها لوقت طويل .. تتفحصها بتحبب باحثة عن دلالات في الوجوه الصغيرة مما يرضي التشابه لرابطة القربى وهذا يعني الكثير بالنسبة اليها ..

ومؤخرا ازداد شعورها لا تود أن تقضي هذه الايام بعيدة عن الاولاد ‘ تود أن يزوروها وتأخذهم في نزهات لتشتري لهم الهدايا وتراهم يكبروا أمام ناظريها . ..وتعلم بالطبع أن تفكيرها هذا يبعدها عن زوجها ‘ والى حد ما غير صحيح ‘ طالما أنه على قيد الحياة وعلى دراية بأنه لم يعد كسابق عهده ‘ نشيطا في أعماله ولن يوافق على مغادرة مدينة نيويورك ليعيش في باريس لقد كان من المدهش حقا أنه لم يك موافقا على سفرها لوحدها لمدة ستة أسابيع لزيارتهم لكن ! كم تتمنى لو بامكانها العيش دائما قربهم .

ــ  » ولكر كم الوقت ؟  »

ــ  » اثنان وعشرون دقيقة مرت‘ ياسيدتي  » بينما هو يتكلم فتح الباب ودخل السيد فوستر الصالة ‘ وقف لبرهة ينظر وبتأن الى زوجته ‘ تبادلت النظرات مع ذلك الرجل الصغير.. العزيز … والرجل الملتحي الصديق المرتب ..

ــ  » حسنا  » قال  » اعتقد أنه من الافضل ان نذهب حالا اذا ما أردتي أن تلحقي بالطائرة  »

ــ  » نعم ياعزيزي ‘ نعم ‘ اني على أتم الاستعداد ‘ والسيارة تنتظر . »

ــ  » شيء جيد  » قال ورأسه لجانب واحد انه يراقبها عن كثب ..

ــ  » ها هو ولكر‘ يحضر معطفك ياعزيزي ‘ ضعه . » قالت

ــ  » سأكون معك خلال دقيقة .. سأذهب وأغسل يديّ  » قال

 

انتظرته .. ومدير الخدم الطويل يقف بجانبها .. يحمل المعطف والقبعة .

ــ  » ولكر ! هل ستفوتني ؟  »

ــ  » لا يا سيدتي  » أجاب مدير الخدم  » أعتقد أنك ستلحقي بالطائرة ‘ حسنا  »

ومن ثم ظهر السيد فوستر ثانية ويساعده مدير الخدم ليلبس معطفه ‘ أسرعت السيدة فوستر وركبت سيارة الاجرة ومن ثم جاء زوجها يمشي بخطى بطيئة توقف في وسط الطريق لينظر الى السماء ويشتّم نسائم الصباح الباردة ..

ــ  » يبدو الصباح ضبابيا  » قال بينما يجلس بجانبها .. ودائما الاسوأ هناك في المطار .. لن أتفاجئ ان لم تقلع الرحلة .. »

ــ  » لا تقل ذلك يا عزيزي من فضلك . »

 

لم يعاودوا الكلام الى أن عبرت السيارة فوق النهر الى الجزيرة الطويلة . قال السيد فوستر  » رتبت كل شيء مع الخدم ‘ سيذهبوا اليوم جميعا ‘ أعطيتهم نصف الاجرة عن ستة أسابيع وقلت لولكر باني سأرسل له خطا عندما أود عودتهم . »

ــ  » نعم .. اخبرني  » قالت

ــ  » سأذهب الى النادي هذه الليلة ‘ سيكون تغيّرا محببا الاقامة في النادي . »

ــ  » نعم يا عزيزي سأكتب لك . »

ــ  » سأتصل بالبيت من وقت الى اخر ‘ لارى فيما اذا كانت الامور على ما يرام .. وأجمع البريد . »

ــ  » لكن ألا تعتقد أن على ولكر أن يبقى هناك طوال الوقت ليهتم بكل شيء . » سالت بعصبية

ــ  » كلام فارغ … ليس من الصروري هذا ما يرتب عليّ دفع أجر كامل . »

ــ  » اه نعم .. طبعا  » قالت

ــ  » وفضلا عن ذلك ‘ انك لا تعرفين ما سلوكهم عندما يتركون لوحدهم في البيت . » قال محذرا .. وأخرج السيد فوستر سيجارة حملها في يده لبضعة دقائق وأشعلها بولاعة ذهبية .. وهي ما زالت تجلس في السيارة ويداها الواحدة فوق الاخرى بثبات .

ــ  » هل ستكتب لي ؟ » سألت

ــ « سأرى  » قال  » لكني غير متأكد ‘ تعلمين .. لا أحب كتابة الرسائل الا في حال وجود شيء خاص اود قوله . »

ــ  » نعم ياعزيزي ــ اعرف لا تزعج نفسك . » وتابعت السيارة مسيرها الى أن وصلوا الى أرض سهلة .. حيث بنيّ المطار وبدأ الضباب يزداد كثافة وعلى السائق ان يخفف السرعة

ــ  » اه يا عزيزي  » قالت السيدة فوستر  » اني على يقين انها ستفوتني .. ما الوقت ؟ »

ــ  » لا تقلقي  » قال الرجل العجوز  » ليس الامر مهما لن تقلع الطائرة في حالة جوية كهذه .. .. لا أعلم على الاطلاق لم خرجت !! »

 

ليس بامكانها التأكد ‘ وفجأة يبدو لها وجود نبرة جديدة في صوته .. واستدارت لتنظر اليه .. كان من الصعب ملاحظة أي تغيير في تعابير وجهه الملتحي .

ــ  » طبعا  » قال متابعا كلامه  » سأوافقك ! اذا ما حالف الحظ وغادرت.. كوني على يقين انها ستفوتك ! لمَ لم تألف هذا الظرف الجديد !؟ »

 

استدارت بعيدا ونظرت من النافذة لترى الضباب ‘ ويبدو انه يزداد كثافة كلما تقدموا وبامكانها الان رؤية جانب الطريق فقط , انها تعلم ان عينيّ زوجها لا تزال ترقبها .. نظرت اليه ثانية وبذات الوقت داهمتها موجة من الخوف عندما لا حظت نظراته مثبتة على ذلك المكان من زاوية عينها حيث تشعر بارتجاف العضلة .

ــ  » لا تريدين ذلك . » قال

ــ  » ما الذي لا أريده ؟ »

ــ  » كوني على يقين الان .. سيفوتك موعد الطائرة . .. وان غادرت ؟ .. اذ ليس بامكاننا القيادة بسرعة في الضباب . »     ولم يتكلم معها بعد ذلك .. وتابعت السيارة مسيرها ببطء . وللسائق ضوء أصفر موجه فوق حافة الطريق وهذا ما ساعده على الاستمرار .. والاضواء الاخرى بعضها أبيض والاخر أصفر تخرج من الضباب نحوهم وكان لاحداها لمعان خاص يتبعهم عن قرب طوال الوقت … وفجأة أوقف السائق السيارة .

ــ  » هناك !  » ارتفع صوت السيد فوستر  » علقنا !! توقعت ذلك . »

ــ  » لا .. ياسيدي  » قال السائق ملتفا  » هذا المطار  » .

 

ودون أن تفوه بكلمة … قفزت السيدة فوستر من السيارة وأسرعت عبر المدخل الرئيسي المؤدي الى المبنى … كان جمعا من الناس في الداخل على الاغلب ‘ انهم مسافرون تعساء .. يقفون حول طاولة التذاكر .. شقت طريقها خلال الجمع وتكلمت مع الموظف .

ــ  » نعم  » قال  » لقد تاخرت رحلتك ‘ لا تبتعدي من فضلك ! نتوقع الانقشاع في اية لحظة . »

 

عادت الى زوجها والذي كان في السيارة وأخبرته بالامر ..  » لا تنتظر يا عزيزي ! لا من مبرر لذلك . »

ــ  » لن أنتظر . » أجاب  » في حال استطاع السائق العودة بي ّ … هل بامكانك أيها السائق ؟  »
ــ  » أعتقد ذلك . » أجاب الرجل

ــ  » هل أخرجت الامتعة ؟ »

ــ  » نعم يا سيدي . »

ــ  » وداعا يا عزيزي . » قالت السيدة فوستر وهي متكئة الى السيارة قبلت زوجها على وجنتيه المغطاة بالشعر الشايب الخشن .. »

ــ  » وداعا . » أجابها  » أتمنى لك رحلة جيدة . »

 

ذهبت السيارة وبقيت السيدة فوستر وحيدة … كان ما تبقى من النهار حلم سيء … وجلست على مقعد أقرب ما يكون الى مكتب الطيران .. ومرت الساعة بعد الساعة وفي كل ثلاثون دقيقة تنهض لتسأل الموظف فيمإذا تغيير الوضع .. وكانت في كل مرّه تتلقى الجواب ذاته ـــ عليها الانتظار لان الضباب لا بد سينقشع في أية لحظة .

الى أن كانت الساعة السادسة مساء ‘ اعلن عن تأجيل الرحلة الى الصباح التالي في الحادية عشرة . ولم تك السيدة فوستر تدري كيف ستتصرف … بقيت في مكانها لا يقل عن النصف ساعة تائهه ‘ ومتعبة ‘ أين عليها قضاء الليلة ؟ لا تحب مغادرة المطار لا تود رؤية زوجها ‘ كانت خائفة ان تمكن في النهاية وبطريقة أو بأخرى أن يمنعها من السفر الى فرنسا . وقد يروق لها البقاء أيّما هي جالسة على كرسيها طوال الليل ومكان امن لها … لكنها كانت تعبة للغاية ‘ ولم يستغرق منها وقتا طويلا لتدرك انه غباء لسيدة متقدمة في السن أن تتصرف على هذا النحو … لذا ذهبت الى الهاتف وطلبت البيت ‘ أجاب زوجها وكانت لحظة استعداده للمغادرة الى النادي ‘ أخبرته بالامر وسألت فيمإذا كان الخدم في المنزل .؟

 

ــ  » ذهبوا جميعا  » أخبرها

ــ  » في حالة كهذه عليّ ياعزيزي ان أمضي ليلتي في غرفة ‘ لا تقلق !! لهذا الامر مطلقا . »

ــ  » من الحماقة فعل ذلك  » قال  » عندك بيت كبير جاهز لاستقبالك . »

ــ  » لكن يا عزيزي ــ انه فارغ . »

ــ  » سأمكث معك بنفسي . »

ــ  » لا يوجد طعام في البيت .. لا شيء !  »

ــ  » تناولي طعامك قبل الدخول اليه ‘ لا تكوني بهذا الغباء ‘‘ ياسيدتي ! ويبدو أن كل تصرف منك تودي أن تجعلي منه مشكله ! »

ــ  » نعم  » قالت  » اسفه … سأحضر لنفسي شطيرة و من ثم سأتي الى المنزل . »

 

قد بدأ الضباب ينقشع قليلا في الخارج ‘ لكن ! لا يزال السير بطيء الوقت طويل ولم تصل البيت الذي في شارع اثنان وستون الا لوقت متأخر . خرج زوجها من مكتبه حالما سمع بقدومها : حسنا  » قال واقفا قرب الباب  » كيف كانت باريس ؟ »

 

ــ  » سنغادر الساعة الحادية عشرة صباحا  » أجابت  » حدد الامر . »

ــ  » تعنين اذا ما انقشع الضباب ! »

ــ  » انه ينقشع وهناك الرياح قادمه . »

ــ  » يبدو عليك التعب ‘ لقد كان يوما مقلقا . »

ــ  » لم يك مريحا ‘ اعتقد اني سأذهب الى فراشي مباشرة . »

ــ  » حجزت سيارة لصباح الغد التاسعة صباحا . »

ــ  » اه … ياعزيزي .. امل وبالتأكيد أن لا تخرج وتضع نفسك في الصعوبات مرّة أخرى لتودعني . »

ــ  » لا .. » اجاب ببطء  » لا أظني فاعل ذلك … لكن ! ما من خلاف أن أنزل عند النادي في طريق ذهابك .. » نظرت اليه .. وفي تلك اللحظة بدا واقفا بعيدا عنها ..صار وخلال لحظات صغيرا ‘ بعيدا لمّأ يمكنها معرفة ما كان يريده أو يفكر به أو حتى من هو ؟ ..

ــ  » النادي في وسط المدينه ‘ وليس في الطريق الى المطار ..  » قالت

ــ  » لكن ‘ لديك متسع من الوقت ياعزيزتي ‘ الا تودي أن تنزليني في النادي ؟ »

ــ  » اه .. نعم ــ طبعا . »

ــ  » هذا جيد ‘ سأراك في الصباح الباكر الساعه التاسعة . » ثم ذهبت الى غرفة نومها في الطابق الاول وكانت تعبه للغاية وحالما استلقت ذهبت في نوم عميق . »

 

وفي صباح اليوم التالي .. نهضت السيدة فوستر باكرا وحوالي الثامنه والنصف كانت عند الصالة تنتظر المغادرة وفيما يقارب التاسعه ظهر زوجها …  » هل حضّرت القهوه ؟ » سألها .

ــ  » لا ياعزيزي .. اعتقدت انك ستتناول طعام الفطور في النادي . ان السيارة تنتظر عند الباب واني على أتم الاستعداد للذهاب . »

كانوا يقفون في الصالة ‘ واعتادوا هذه الايام على ما يبدو.. اللقاء في الصالة !!

ــ  » أمتعتك ؟  »

ــ  » انها في المطار . »

ــ  » اه .. نعم .. من الافضل ‘ان كنت تودي ‘ان تأخذيني الى النادي اولا.. أقترح المغادرة فورا ‘ أليس كذلك ؟  »

ــ  » نعم ارتفع صوتها  » اه.. نعم رجاء ! »

ــ  » أود أن اخذ علبة سجائر ‘ سأكون برفقتك خلال دقيقة خذي السيارة … استدارت لتذهب الى مكان انتظار السائق الذي فتح الباب لها .

ــ  » ما الساعة ؟ » سألته

ــ  » حوالي التاسعة والربع . »

 

جاء السيد فوستر بعد خمس دقائق كانت ترقبه يمشي ببطء وينزل درجات السلم لا حظت ساقيه تشبهان ساقي الماعز كما انه يرتدي سروالا ضيقا .وكما ذلك اليوم توقف في منتصف الدرج ليشتّم رائحة الهواء ويتفحص السماء ــ لا يزال الطقس غائما لكن بعض خيوط الشمس تاخذ طريقها عبر الغمام …

 

ــ  » لربما سيحالفك الحظ هذه المرّه  » قال بينما يأخذ لنفسه مكانا بقربها في السيارة .

ــ  » أسرع من فضلك . » قالت للسائق  » رجاء انطلق تأخرت . »

ــ  » دقيقه فقط . » قال السيد فوستر فجأة  » انتظر دقيقة ايها السائق ! من فضلك ؟ »

ــ  » ما الامر يا عزيزي ؟ رأته يبحث في جيوب معطفه ..

ــ  » عندي هديه ‘ أريد ان تأخذيها لايلين . » قال  » والان ! اين هي ؟ اني على يقين كانت في يدي عندما نزلت ! »

ــ  » لم أرك تحمل أيّ شيء ما نوع الهديه ؟ »

ــ  » علبه صغيرة مغلفه بورق أبيض ‘ نسيت أن أعطيك اياها الليلة الماضية .. لا أريد نسيانها اليوم . »

ــ  » علبه صغيره . » ارتفع صوت السيده فوستر  » لم ارها ! وبدأت تبحث في مؤخرة السيارة وتابع زوجها البحث في جيوب معطفه ‘ ومن ثم حل أزراره واستشعر ما حوله في الستره .

ــ  » قد تركتها في غرفة نومي ‘ سأكون خلال دقيقة . »

ــ  » أه … رجاء  » ارتفع صوتها  » ليس لدينا متسع من الوقت ‘ من فضلك اتركها ! يمكنك ارسالها بالبريد على أية حال … انها مجرد واحده من تلكم الامشاط الحمقى !ودائما تعطيها ما يزين الشعر .  »

ــ  » وما الغلط في اعطائها ما يزين الشعر ‘ هل يمكنني السؤال ؟ » قال غاضبا .. من المؤكد لقد فقدت توازنها هذه المرّه !

ــ  » لا شيء يا عزيزي اني على يقين ‘ لكن … !  »

ــ  » ابق هنا ! سأذهب لاحضاره . » أمرها

بقيت مكانها تنتظر وتنتظر ….. ــ  » أيها السائق كم الساعة ؟  » نظر الرجل الى ساعته  » انها تقريبا التاسعة وثلاثون دقيقة . »

ــ  » هل بامكانك الوصول الى المطار خلال ساعة ؟ »

ــ  » تماما .. حوالي الساعة  » وعند ذلك : رأت السيدة فوستر شيء أبيض في الزاوية بين المقعد والمسند حيث كان يجلس زوجها ‘ مدت يدها وسحبته : انها علبه صغيرة غلفت بالورق الابيض لم تعد تحتمل دخولها في الشق وبثبات عميق وكأنه ثم ذلك بفعل فاعل !

ــ  » ها هي ! » ارتفع صوتها :  » وجدتها .. اه .. يا عزيزي والان ! سيكون هناك للابد يبحث عنها ــ أيها السائق ! أسرع .. اركض وناده لينزل أرجوك !  »

 

لم يكترث السائق للامر ‘ خرج من السيارة ‘ وصعد الدرج الى أن وصل الباب الامامي .. ومن ثم استدار وعاد :  » الباب مقفول  » أخبرها  » هل عندك المفتاح ؟ »

ــ  » نعم ــ انتظر دقيقه  » وبدأت تبحث في حقيبتها ….وكان وجهها مقطب من القلق ..  » ها هو ! .. لا … سأذهب بنفسي سيكون الامر أيسر .. اني اعلم مكانه . » خرجت مسرعه من السيارة وصعدت الدرج الى الباب الامامي . .. زلقت المفتاح في مكانه وكانت على وشك أن تديره ومن ثم توقفت : وقفت دون حراك ورأسها عاليا ـــ انتظرت خمس ‘ سته ‘ سبعه ‘ ثمانية ‘ تسعة ثوان .. وكان يبدو من طريقة وقوفها هناك كأنها تصغي لصوت قد سمعته من لحظة خلت… انه قادم من مكان عميق داخل البيت ..

 

نعم ــ يظهر بالتأكيد انها كانت تصغي وفعليا بدت تقّرب احدى أذنيها شيئا فشيئا الى الباب وبقيت وللحظات في وضع المتنصت أذنها عند الباب تماما ويدها على المفتاح انها على وشك الدخول … لكن لم تفعل ! محاولة سماع هذه الاصوات الخافته والقادمه من عمق داخل البيت على ما يبدو ! ومن ثم رجعت فعاليتها ثانية فسحبت المفتاح فجأة من قفل الباب وهرعت راجعة أدراجها ..

 

ــ  » تأخرت كثيرا ! » ارتفع صوتها قائلة للسائق  » لا أستطيع انتظاره .. ببساطة تأخر الوقت ستفوتني الطائرة !‘ أسرع الان أيها السائق ! أسرع الى المطار ! » وفيمإذا شاهدها السائق عن قرب للحظ تغير لون وجهها وكل تعابيره فجأة .. لم تعد هذه النظره الناعمه التي لا تخلو من الحماقة واستبدلت بأخرى أكثر قساوة والفم الصغير مغلوقا بشدة ورقيق ‘ والعينيين تلمعان وحمل صوتها نبرات جديده من حسميّة القرار .
ــ  » أسرع أيها السائق .. أسرع !  »

ــ  » الن يسافر زوجك معك ؟  » سأل الرجل مندهشا

ــ  » بالتأكيد لا … كنت سأنزله عند النادي فقط .. لا تتكلم على راحتك ! دعنا نذهب ! عليّ ان اخذ الطائرة الى باريس ّ »

 

قاد السيارة مسرعا طوال الوقت .. لقد أخذت طائرتها وحالما ارتفعت فوق الاطلسي جلست في مقعدها براحة وهي تصغي الى أصوات المحرك انها تطير الى باريس أخيرا! كانت لا تزال تمتلك الثقه وتشعر بالقوة وتنفست الصعداء ومع كل هذا وذاك كان الامر رائعا … وبطريقة ما .. كانت تبتعد عن الصدمه وأشياء أخرى … وكلما ابتعدت بها الطائرة عن نيويورك والشارع اثنان وستون .. شعور بالطمأنينه يتسلل اليها ويسكن داخلها .. ومع الوقت وصلت باريس وكانت حقا تتمتع بالقوة والانسجام والهدوء .

 

قابلت أولادها وكانوا حتى أكثر جمالا من صورهم ‘ في كل يوم تأخذهم الى النزهات .. تطعمهم الحلوى وتشتري لهم الهدايا وتروي القصص .. ويوم الثلاثاء من كل أسبوع تكتب لزوجها رساله جميلة مطوله غنيّه بالاخبار وتختمها دائما بهذه الكلمات  » والان تأكد من تناول وجباتك بانتظام باعزيزي اني أخاف ألا ّ تتبع ذلك عندما لا أكون معك . »

 

وعندما انتهت الاسابيع السته كانوا حزينين ما عداها … عليها العودة الى أمريكا.. الى زوجها لا يبدو عليها الاكتراث وهذا ما يبعث على الدهشة لم يتوقع منها ذلك فعتدما قبلتهم مودعة كان شيئا في سلوكها وفي كلامها يظهر جليّا ..  » لندع فرصة اللقاء في المستقبل القريب . »

وكزوجة وفيّه لم تمكث عندهم أكثر مما كان عليها ‘ ستة أسابيع من وصولها تماما مضت .. لقد أرسلت لزوجها تخبره ومن ثم اخذت الطائرة للعودة الى نيويورك … وحال وصولها المطاركان يهم السيدة فوستر أن لا وجود لسيارة في انتظارها .. وربما كان يجلب لها البهجة .. لكنها كانت هادئه للغاية .. ولم تعط السائق الذي نقل الامتعة الا القليل من النقود .

 

كانت نيويورك أبرد من باريس ‘ ويوجد أكوام من الثلوج المتسخة في جوانب الطريق توقفت السيارة أمام بيت في شارع اثنان وستون ورغبّت السائق لكي يصل بحقائبها الى أعلى الدرج… .. ومن ثم دفعت له وقرعت الجرس .. انتظرت لكن ما من مجيب ‘ وللتأكد حاولت ثانية كان بامكانها سماع صوت الجرس يقرع في المطبخ بعيدا . .. والكائن خلف البيت ‘ لكن ما من قادم ‘ لذا اخرجت مفتاحها وفتحت الباب بنفسها .

ان أول ما شاهدته عند دخولها كومة كبيرة من البريد ملقىَ على الارض ‘ وقد ارتمى بعدما انزلق من الصندوق البريدي . كان المكان معتما وباردا والغبار لا يزال يغطي ساعة الحائط وتملا المكان رائحة خفيفة وغريبة لم تعهدها من قبل .. مشت في الصالة مسرعة واختفت للحظة في الزاوية الخلفيّة الشماليّة .. كان لتصرفها هدفا َوعندما عادت وكانت علامات الرضى على وجهها . ..

توقفت في منتصف الصالة وكأنما تتساءل عما ستفعله ! فجأة استدارت وذهبت الى مكتب زوجها وجدت فوق طاولة المكتب دفتر للعناويين وبدأت تبحث فيه لدقائق ‘ أخذت رقم الهاتف وأدارت القرص ..

ــ  » مرحبا  » قالت

ــ  » اصغ ! هذا رقم تسعة الشارع الشرقي اثنان وستون ــ « 

نعم .. صحيح  »

هل بالامكان ارسال أحدهم فورا ؟ــ نعم ‘ يبدو أنه علق بين الطابق الثاني والثالث على ما أعتقد .

اه .. هذا لطفا منك .‘ لعلمك أن أرجلي ليست على ما يرام حتى تصعد الدرج .. شكرا جزيلا ـ وداعا . … أعادت السماعة الى مكانها وجلست في مكتب زوجها تنتظر بفارغ الصبر قدوم العامل الذي سيصّلح المصعد.

 

جنيف في صيف 2008

 

الطريق الى الجنة –

مترجمة عن كتاب رولد داهل ترجمة فاطمة   الحسامي